آراء

العنصرية في تونس... من الأغاني إلى الأهازيج والسلوكيات

 يهربون من حرب تدمّر الجسد الى حرب اشدّ تقتل الروح، يتركون الوطن والأرض لاهثين حفاة منهكين عطاشى خلف حلم قد يتحوّل الى سراب، تجبرهم الانظمة القوية على الهروب من اوطانهم الى المنافي ثمّ تتهمهم بالعنف و"الارهاب" و"المؤامرة، يعيشون بيننا لا نلامس حقيقة ألمهم او احلامهم لكننا نشبعهم بطاقة من السب والثلب والتقزيم، هم الافارقة الهاربون من نار الحرب والحالمون بالعبور الى اروبا شأن الالاف من الشباب التونسيين فهل أن وجودهم "مؤامرة تغيير التركيبة الديمغرافية" ؟

وهل يهدد وجود الافارقة المهاجرين من جنوب الصحراء المواطن التونسي؟ اختلفت الاراء وتباينت الافكار بين مدافع عنهم ورافض لفكرة العنصرية وآخرون يتبنون خطاب "العنف" والكراهية" في التعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي وبعضهم يطالب بطرد جماعي وآخرون يريدون "تنظيف" تونس.
العنصرية رفضها الادب رغم وجودها في فطرة التونسي
هل أن التونسي عنصري؟ ام ان الظاهرة حديثة؟ سؤال ساذج يطرح؟ فالعنصرية ليست دخيلة على المجتمع التونسي، فاغلب التونسيين عنصريون بالفطرة، عنصريون في وصف المختلف عنهم في اللون ونعته بـ"كحلوش" او "كحلة" لإبراز المودة، التونسي يتطيّر من اللون الاسود "قطوس اكحل" ويعتبره رمزا للشؤم ونذيرا للألم، التونسي عنصري في علاقات الزواج فنادرا ما توافق العائلة التونسية على زواج ابنتها او ابنها من رجل أسمر، التونسي عنصري في وسمه للآخر اثناء الخلاف بكلمة "وصيف" ويصف نفسه اثناء الغضب الشديد بكلمة "نتوصفن".
عنصرية التونسي يجدها بطريقة غير واعية في الدراما، فاشهر المسلسلات "الخطاب عالباب" حين شكّل شخصية مخيفة ومرعبة سمّاها "نعيمة الكحلة" ولازال المسلسل يعرض ولازلنا نستهلك عنصرية تجاه "نعيمة الكحلة" بطريقة غير واعية، التونسي شرب العنصرية في اغنية "يما لسمر دوني".
عنصري بالفطرة تجاه بني وطنه وابناء عائلته المختلفين عنه في درجة السمرة، فالعنصرية فينا وجزء من ثقافتنا التونسية الرافضة للاختلاف والتي ترى في الاخر "الجحيم" بسبب لونه او دينه او عرشه، فكيف لا يكون التونسي عنصريا تجاه الافارقة المهاجرين؟ التونسي عنصري بالفطرة حتى وإن حاول اخفاء مواقفه.
في الاعوام الاخيرة اصبحت الدراما والأدب محامل انسانية تدافع عن الافارقة وتدافع عن كرامتهم وانسانيتهم، ابرزت الكتابات الادبية معاناتهم في تونس ومعاناتهم بعد الهجرة الى اروبا، التقط قلم امنة الرميلي معاناة "فاطوماتا" في روايتها "شط الارواح" ابدعت الرميلي في وصف الوجيعة وتحدثت بقلم فائض واحساس مربك عن الم الغربة والهروب من الوطن بسبب الحرب وصورت الرحلة الشاقة للخروج من الوطن المنفى الى مكان اخر سيكون منفى اكثر وجعا.
صراخ "فاطوماتا" يسكن قارئ الرواية وقد يشعره بالذنب اذا مارس العنصرية يوما، الكاتب الجزائري الطيب احمد الصديق تتبع حكايات "كاماراد" منذ قرار الهجرة من "النيجر" الى الجزائر ثم الوصول الى طنجة رغبة في عبور مضيق جبل طارق والوصول الى "اسبانيا" الجنة الموعودة، انصت الى ألم الرحلة، نقل صرخات الجوع والخوف في الصحراء البعيدة، سمع هسيس الوحدة والخوف من المجهول وسماسرة البشر الذين يقبضون الكثير من المال لقاء نقلهم داخل المدن الجزائرية، رواية ترشح وجعا وتبرز مدى معاناة الافارقة قبل الوصول الى اوروبا.
الكاتبة التونسية "السمراء" (احيانا وصفها بالسمراء يعتبر عنصرية يمارسها كاتب النص) المقيمة بفرنسا سال حبرها كثيرا عن معاناة السمر التونسيين وليس الافارقة، كتبت فتحية دبش عن العنصرية بين التونسيين في "ميلانين" ، وكتب عثمان الاطرش عن الاختلاف والخلاف بين ابناء "قابس" بسبب سمرة البشرة في "دمع اسود"، وفتحية دبس وعثمان الاطرش كلاهما تونسيان تشرّبا من العنصرية التي عايناها في مجتمعيهما.
نبذ العنصرية ورفضها نقلته كاميرا لسعد الوسلاتي في مسلسل "حرقة" في جزئه الثاني وأبدع كاتب السيناريو عماد الحكيم في ابراز بشاعة العنصرية بين الهنا والهناك، عنصرية يمارسها التونسي وتمارس عليه ولقي المسلسل ومشاهد العنصرية الكثير من التفاعل بعد ذلك خفت جمرة الانسانية تلك وعاد التونسيون لسياسة الشتم والثلب للمهاجرين الافارقة.
عبودية العصر جريمة جماعية
يحلمون بواقع أفضل، يتحملون الخوف والألم لسنوات قبل الوصول الى الجنة الموعودة "القارة العجوز"، يشتغلون لساعات طويلة، يتنقلون جماعات خوفا من صعوبة الطريق وشبح الموت المرافق لهم منذ قرار الهجرة، مدة الانتظار ليست هامة فالعمل والرغبة في العبور الى اروبا هاجسهم الجماعي المشترك، هم الافارقة الذين يعيشون على وقع هرسلة واقعية وافتراضية في تونس بعد بلاغ صدر عن رئاسة الجمهورية.
الافارقة او مهاجرو جنوب الصحراء ارتفع عددهم في تونس ليتجاوز 700 ألف مهاجر ينتشرون على كامل التراب الجغرافي التونسي خاصة المناطق الساحلية وصفاقس وتونس العاصمة ، يعيشون في تجمعات صغيرة في الحي نفسه والبيت ذاته، يمارسون كل الاعمال الشاقة مقابل دنانير قليلة لانّ المشغل التونسي يريد عبيدا ينجزون اصعب الاعمال ويقدم لهم اجر زهيد بسبب عدم مشروعية وجودهم في تونس وعدم وجود اوراق اقامة، يستغل بنيتهم الجسدية القوية ليقضي اعماله الصعبة التي يرفض التونسيون انجازها .
الافارقة يعملون ساعات طويلة في كل المجالات، اغلب عاملات النظافة في المنازل والمطاعم من الافريقيات لانّ المشغّل يبحث عمن يقبل القليل من الاجر، اليس المشغّل هو الاخر شريكا في جريمة "التدفّق"؟.
الافارقة الحالمون بأوروبا تكون تونس نقطة عبور (بعضهم يلتجئ الى الجزائر ومنها المغرب للوصول الى اسبانيا)، يدخلون عادة من الحدود الليبية التونسية ويستقرون اولا بمدنين خاصة "جرجيس" ثم تبدأ رحلة الصعود الى المناطق الساحلية للعمل وتجميع ثمن "المغادرة" الى الجنة المأمولة، في الاعوام الاخيرة اصبحت تجمعاتهم بارزة للمارة، فهم يتجمعون في باب الجبلي بصفاقس يضعون مصطبات صغيرة يبيعون بعض المنتجات، بعض النساء منهم تعملن في الحلاقة و"الحنة والحرقوس" على الرصيف، فريق ثالث يبيع بعض المأكولات، في مدينة اريانة كذلك خاصة قرب خط الميترو يشكلون مجتمعا صغير يبيعون ما خفّ وزنه للمارة ويرفعون اهازيجهم الافريقة الموجعة وكأنهم يترنمون بغربتهم في نقطة عبور يعملون كثيرا لتجاوزها.
جميعهم يعانون من عنصرية مقيتة، يتعرضون للشتم وجمل "اش مجيبو" وبعضهم يجبر لترك كرسه في الحافلة او المترو لانه افريقي واثناء انعقاد القمة الفرنكفونية بجربة منع "الافارقة" من الدخول الى الجزيرة وقبل مرور سيارة الاجرة "اللواج" يتم اجبار الافريقي على النزول حتى وإن توفرت لديه وثائقه جراء "التعليمات" انذاك، لكن البلدية حين ارادت تنظيف المدينة استعانت بالعمالة الافريقية؟ فالدولة تمارس التناقض والعنصرية، الافارقة يتعرضون لحملات تشويه واعتداءات لفظية موجعة كثيرا ما تكون نتيجتها تبادلا للعنف والفوضى كما حدث في احد احياء صفاقس.
خطاب رئيس الجمهورية قابله الحقوقيين بالرفض ووصف الخطاب بالتشجيع على العنف والعنصرية لكنه مجرد حلقة من سلسلة عنصرية مقيتة تمارس على الانسان المختلف لونا ودينا ومذهبا وفكرا.
 
مفيدة خليل