اقتصاد

تركيز مقاربة ''Nexus'' لحوكمة الماء والطاقة والغذاء في تونس

 نظمت جمعية سوليدار تونس يوم الأربعاء  الفارط 29 نوفمبر 2023، ندوة فكرية لاستعراض مخرجات اعمالها حول الاليات الممكنة لتركيز مقاربة Nexus لحوكمة الماء والطاقة والغذاء في تونس. وقد شهدت هذه الندوة حضورا لافتا لعديد الفاعلين العموميين ومنظمات المجتمع المدني والخبراء والباحثين الى جانب ممثلين عن بعض المؤسسات الناشطة في مجال الاقتصاد التضامني والاجتماعي. 

تعريف مقاربة Nexus
كلمة Nexus مستمدة من اللاتينية وتعني كل مجموعة من العناصر مترابطة فيما بينها وذات تأثير متبادل على بعضها البعض. وقد اثبتت الدراسات الأكاديمية منذ بداية القرن العشرين أن الماء والطاقة والغذاء عناصر مرتبطة ببعضها البعض بشكل وثيق وأن أي تغيير في أحدها يؤثر مباشرة على بقية العناصر. 
وعلى هذا الأساس تدعو مقاربة Nexus الى ضرورة تحديد هذه الارتباطات والتأثيرات المتبادلة بكل دقة حتى نتمكن من فهم الديناميكية المشتركة التي تحرك هذه العناصر بما يسمح لنا بصياغة استراتيجيات متناسقة تمكننا من حوكمة الماء والطاقة والغذاء بشكل فعال مع الأخذ بعين الاعتبار للتأثيرات الخارجية المتأتية أساسا من النمو الديمغرافي والتوسع العمراني والتغيرات المناخية باعتبارها تشكل ضغوطا إضافية على هذه الموارد.
وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة هذه المقاربة في مؤتمر ريو للتنمية المستدامة سنة 2012 باعتبارها مقاربة تمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة
مقاربة Nexus في تونس: الأهداف واليات الإنجاز
تشهد البلاد التونسية منذ بضع سنوات وضعيات صعبة على مستوى الموارد الطبيعية حيث تعاني من شح مائي شديد بسبب تظافر عوامل هيكلية وأخرى ظرفية مثل العجز المائي الهيكلي الناتج عن المناخ الطبيعي للبلاد (مناخ شبه جاف الى جاف يسبب عجزا هيكليا طبيعيا في المياه) وارتفاع نسب استغلال المياه الى أكثر من 100% (حسب تقارير وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري) بالإضافة الى انتشار الابار العشوائية بشكل مخيف (أكثر من 22000 بئر حسب بعض التقديرات). وعلى المستوى الطاقي تعاني تونس من عجز هيكلي على مستوى الطاقات الأولية (بترول وغاز طبيعي) بلغ 60% سنة 2019 تحت تأثير تراجع الإنتاج المحلي بنسبة 50% بين سنتي 2011 و2019 (تقرير وزارة الصناعة لسنة 2020). هذه الوضعيات المعقدة على مستوى الموارد انعكست سلبا على مؤشرات الغذاء حيث أصبحت تونس مهددة جديا على مستوى الأمن الغذائي. وقد تجلت هذه الصعوبات في تدهور منظومات إنتاجية عديدة مثل الحبوب والألبان واللحوم والدواجن وغيرها.
وتكشف هذه المؤشرات السلبية عن محدودية نجاعة السياسات القطاعية المنفصلة في ضمان ديمومة الموارد باعتبارها المقوم الأساسي لتحقيق الأمن المائي والطاقي والغذائي.
في المقابل تواجه تونس جملة من التحديات أبرزها التنمية المستدامة العادلة المدمجة والمحافظة على بيئة منتجة مقاومة للصدمات بالإضافة الى ضمان الأمن المائي والطاقي والغذائي لكل مواطنيها. فكيف يمكن للدولة التونسية تحقيق هذه الرهانات باعتبار التأثيرات الخارجية المذكورة انفا والوضعية الصعبة للموارد المفصلة أعلاه؟
هنا تتجلى أهمية مقاربة Nexus كتصور لحوكمة مثلى للموارد الطبيعية باعتبارها تدمج كل المؤثرات الخارجية والداخلية لثلاثية الماء والطاقة والغذاء لتفرز استراتيجية توازن بين احتياجات التنمية العادلة المدمجة وشروط الاستدامة.
وقد قامت جمعية سوليدار بدراسة أكاديمية لتحديد الشروط المثلى لتطبيق مقاربة Nexus  وخلصت هذه الدراسة لاستنتاجين رئيسيين هما: (1) ضرورة تطبيق المقاربة بشكل محلى قبل توسيعها تدريجيا الى المجال الوطني. (2) ضرورة ادماج عنصري التربة والمحيط كجزء من منظومة Nexus نظرا لتفاعلهما مع الماء والطاقة والغذاء وفق مبدأ التأثير المتبادل.
انطلاقا من هذين الاستنتاجين كان من الضروري البحث عن رافعة محلية لوضع المقاربة قيد التنفيذ. وقد أفضت الورشات الجهوية التي انجزتها سوليدار الى بروز الاقتصاد التضامني الاجتماعي كرافعة مثالية نظرا للتقارب بينه وبين فلسفة Nexus على مستوى قيم الاستدامة والعدالة والحفاظ على البيئة المنتجة.
وقد خلصت بقية أعمال سوليدار المتمثلة في ورشة خبراء وورشة للفاعلين العموميين الى استنتاج منوال لتطبيق مقاربة Nexus على المستوى المحلى يرتكز على منظومة حوكمة محلية تؤطرها التشريعات العامة والاستراتيجيات. ويستند هذا التصور الى أطروحة الباحثة في الاقتصاد الينور اوستروم (الحائزة على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2009) التي تتناول الحوكمة المحلية للموارد العامة باعتبارها منوال الحوكمة الأكثر ضمانا للنجاعة والعدالة والاستدامة. 
وقد قمنا بصياغة هذا المقترح في شكل ورقة سياسية تبين السياق العام والتحديات وتبلور المقترح الأساسي مع مجموعة توصيات لوضع هذا المشروع قيد التنفيذ. ويتلخص المقترح في ضرورة انشاء هيكل حوكمة محلية للتصرف في الموارد المتاحة التي تحددها الهياكل الرسمية بحسب احتياجات وأهداف المنطقة من جهة ومتطلبات الاستدامة من جهة أخرى ضمن ما يسمح به الإطار التشريعي وبالتناغم مع الأهداف الاستراتيجية الوطنية. ويستهدف النموذج المقترح منح الأفراد المعنيين في الإطار المحلي هامشا للمشاركة في صياغة منوال تصرف يراعي خصوصياتهم الفردية والجماعية على مستوى الانتفاع بالموارد بشكل عادل وبناء ديناميكية تنمية محلية خصوصية تتماهى مع الخصائص المحلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهنا يمكن ادماج الاقتصاد التضامني والاجتماعي كرافعة للاستفادة من التجارب التراكمية لمؤسساته لبناء نموذج للتصرف الرشيد في الموارد والارتكاز على مكتسباته المعرفية لتطوير قدرات مكونات هيكل الحوكمة المحلية على المستوى الفني والإداري كما يمكن استغلاله لبناء منظومة تنمية مستدامة ترتكز على الاقتصاد الدائري. ويتعين على الهياكل الرسمية أن تؤطر هذه الحوكمة المحلية بتحديد جملة من الضوابط أهمها حدود الحوكمة من مساحة جغرافية وأفراد وكميات الموارد الممكنة (مع مراعاة واقع وأهداف الأفراد المعنيين) وضوابط عدالة التوزيع ومنظومة الرقابة الفردية وسلم العقوبات واليات فض النزاعات إضافة الى دورها في تعديل كل هذه الأطر بناء على التحولات الاستراتيجية حتى تحافظ على وحدة الأهداف العامة.
إن هذا المنوال، بالإضافة الى ترسيخ الفكر التشاركي، يمكن الدولة من إدماج المواطن في منظومة التصرف الرشيد في الموارد بما يضمن تطوير وعيه بحساسية الموارد الطبيعية وينمي حس المسؤولية لديه. كما أنه يمكن من جمع البيانات العلمية والتقنية اللازمة لفهم ديناميكية عناصر Nexus بما يسهل على الدولة تعديل الإطار التشريعي وتطوير الاستراتيجيات والسياسات العمومية نحو فعالية أكبر تسمح بالموازنة بين طموحات التنمية المستدامة العادلة المدمجة وضرورات استدامة الموارد الطبيعية. 
 
إيهاب بن سالم خبير في التنمية المستدامة والإستراتيجيا