"وهل يخفى القمر ؟" ، "إنها عادة الجدود لا غنى عنها في اليوم الأول من عيد الإضحى"، "هي عادة نحبها ونقدسها، ولا يحلو عيد الأضحى بدونها، والله لا يقطعنا عادة" ... بهذه العبارات عبر عدد من أهالي صفاقس لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عن مدى حبهم وتشبثهم بوجبة "البازين بالقلاية"، التي تتميز بها جهة صفاقس في اليوم الأول من عيد الأضحى، وحتى في الأيام القليلة الموالية للعيد وخاصة في المولد النبوي الشريف.
وتعد وجبة "البازين بالقلاية"، عادة غذائية متجذرة في عمق العائلة الصفاقسية منذ القدم، ولا تزال متبعة لدى أغلب العائلات حتى أنها أصبحت تصنف ضمن التراث الثقافي الغذائي بالجهة.
وعن طريقة تحضير "البازين بالقلاية" ... "هذه الوجبة المقدسة لدى العائلات الصفاقسية"، كما وصفها عدد من المستجوبين، تعمل النسوة، على تحضير "البازين" قبل أيام من حلول العيد، وذلك عبر إستخراج مربى دقيق السميد المتوسط أو السميد الرقيق الذي يعرف باللهجة الصفاقسية ب"السميد الجاي"، وتخميره لمدة ليتم طهيه صباح يوم العيد على نار هادئة، ثم يضاف إليه زيت الزيتون والعسل وأكله مع "القلاية".
أما "القلاية"، فهي خليط من قطع اللحم والكبد والكلى وشحم "اللية" التي يقع قطعها مباشرة بعد ذبح الأضحية ليتم غليها في الماء الساخن مع شيء من الملح، ثم تقليتها في الزيت، حتى تفوح رائحتها، وإضافة شيء من الفلفل الأكحل في مرحلة أخيرة، إختياريا، حسب ما أفادت به إحدى المستجوبات.
وتفاديا لضيق الوقت، وحفاظا على الأضحية برمتها، وعادة وجبة "البازين بالقلاية"، في ذات الوقت، تذهب الكثير من العائلات الصفاقسية، قبل أيام من قدوم العيد، إلى شراء مكونات طبق "القلاية" من اللحم البقري، وذلك من أجل "تذكير وتفحيل قلاية الأضحية"، كما جاء على لسان أحد المستجوبين.
ولكن "البازين بالقلاية"، هذه العادة الغذائية العريقة الضاربة لدى الأسر الصفاقسية، التي تتفن في تحضيرها النسوة من الجيل القديم، بدأت تعرف طريقها للإندثار وتحيد ملامحها عن شاكلتها الأصلية، حيث أصبحت الفتيات حديثات العهد بالزواج خاصة، يجدن ضالتهن لدى أمهاتهن أو حماتهن لتذوق هذه الوجبة التقليدية، أو إقتناءها معلبة من المساحات التجارية الكبرى.
وارجع عديد المستجوبين العزوف عن عادة وجبة "البازين بالقلاية " إلى غلاء أسعار الأضاحي، معبرين بأسلوب ساخر "أحنا قدرنا على شراء الأضحية ... باش نقدروا على أكل البازين بالقلاية ؟؟؟"
هذا الرأي، أكده أحد الجزارين، وسط المدينة العتيقة بصفاقس الذي يمارس المهنة قرابة 30 سنة، قائلا "عادة البازين بالقلاية، رغم أنها متجذرة لدى العائلات الصفاقسية، إلا أنها بدات تعرف طريقها للإندثار، حيث لم يعد إقبال المواطنين على إقتناء مكونات طبق "القلاية" من اللحم البقري أو لحم الضأن، قبل أيام من حلول عيد الأضحى، مقارنة بسنوات خلت، وذلك نظرا لغلاء أسعار اللحوم الحمراء".
ومن الناحية الصحية، أكد دكتور الأنثروبولوجيا، أحمد ذياب، في تصريح وات أن " البازين بالقلاية، هذه الأكلة الشهية والمشتهاة، لدى الأسر الصفاقسية في كل أعياد الأضحى، رغم أنها تفيد البدن من حيث الغذاء، إلا أنه عليها عدة مآخذ من حيث الدسامة".
وتتمثل الدسامة، وفق الدكتور، أحمد ذياب، في "أن الخروف المذبوح والطازج هو بليغ لحما، وشحما، وزيوتا، ودهونا"، مشيرا إلى أن "هذه الدهون مضرة قطعا بالصحة، خاصة إذا ما تم تناولها خلال بضعة أيام، والأخطر من ذلك أننا نتناول هذا اللحم مقليا، علما وأن الزيت المقلي مضر بالصحة لأنه يتدسم ويتشحم في العروق".
وأضاف محدثنا "إلى جانب "البازين بالقلاية"، هذه الوجبة المفضلة، نستهلك الكثير من لحم الضأن في نفس اليوم، مما قد ينجر عنه الإصابة بجلطة دماغية أو قلبية لدى كبار السن أو الحاملين لأمراض مزمنة".
وأوضح "أنا لست ضد العادة الدينية اوضد شراء الأضحية، أو وجبة البازين بالقلاية الشهية، ولكن من الناحية العلمية أدعو إلى ضرورة توضيب وتنسيق ما نأكله" مضيفا "رفقا بأجسادنا، وبأدمغتنا، وبقلوبنا، وبعروقنا، وبالآخرين الذين ليسوا على قدرة مادية لتناول لحم الخروف يوم العيد".
وخلص إلى القول ان "وجبة البازين بالقلاية، شهية، وعادة جميلة من حيث كونها تجمع أفراد العائلة، ولكن إتضح علميا أن تناولها مضر جدا بالصحة".