حذر الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، من ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت 7.3% خلال جوان.
وانتقد الشكندالي تعامل البنك المركزي مع التضخم، معتبرا أنّ سياسته في حاجة إلى مراجعة تشمل أساسا ملف الطاقة، المسبب للعجز التجاري، بدل التركيز على كبح الاستهلاك.
وقال لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إنّ نسبة التضخم “سواء اتجهت صعودا أم نزولا، تحجبها عن المواطن إحساسه الملموس بالارتفاع المستمر للأسعار الناجم عن خلل في المعروض”.
والأحد، أظهرت بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء، ارتفاعا طفيفا للتضخم على أساس سنوي إلى مستوى 7.3% خلال جوان بعد أن كان في حدود 7.2% خلال ماي.
وأوضح الشكندالي أنّ “نسبة التضخم المالي بالانزلاق السنوي تكسب معناها فقط عند رسم السياسات الاقتصادية الكلية، أما المواطن فيهتم فقط بما ينفقه يوميا على شراء المواد الأساسية والحصول على الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة والتي تسجل أسعارا أغلبها أعلى بكثير من المعدل العام للتضخم المالي”.
ويعتبر أنّ التضخم المالي للمواد الأساسية يعد المقياس الحقيقي الذي يتحسس به المواطن التونسي الارتفاع الحقيقي للأسعار وبالتالي تدهور مقدرته الشرائية.
وارتفعت، خلال جوان أسعار لحم الضأن بـ24.3% ولحم البقر بـ16% والأسماك بـ12% والزيوت الغذائية بـ20.5% والتوابل بنسبة 16.7% والخضر بـ21.1%والقهوة بـ35 % والملابس بـ10.1%.
ويعتقد الأستاذ الجامعي، أنّه وفي كل الأحوال، فإن النسق السريع لارتفاع معدلات التضخم المالي خلال السنوات الماضية وفي ظل موجة تضخم عالمية، من 4.8% في مارس 2021 إلى 10.4% في فيفري 2023، ساهم في ارتفاع الأسعار إلى المستوى الذي لا يقدر المواطن على مجاراته.
وأبرز الشكندالي، أنه بالاعتماد على هذه المقاربة، فإن التضخم المالي ارتفع بنسبة 0.5% في جوان مقارنة بماي 2024، شأنه شأن كل الأشهر الماضية، حيث ارتفع فيها التضخم المالي حتى في فترات نزول التضخم بالانزلاق السنوي وهو دليل قاطع على أن ارتفاع مستوى الأسعار لم يتوقف ولو شهرا واحدا.
ويرى الخبير الاقتصادي، أنّ استعادة التضخم لنسق الارتفاع خلال جوان، ولو بشكل طفيف يبرر مخاوف مجلس إدارة البنك المركزي التونسي المنعقد يوم 20 جوان، وقراره الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية دون تغيير عند مستوى 8% خاصة أنه يعتمد مقاربة لاستهداف التضخم المالي تجعل من الطلب وخاصة الاستهلاك الخاص المتسبب الرئيسي للتضخم المالي.
ويعتقد الشكندالي، أنّ “المقاربة التي تفترض تفاقم العجز التجاري يعود إلى ارتفاع استهلاك المواد الموردة من قبل التونسيين، ليست صائبة خاصة أنّ العجز التجاري تراجع بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة لسنة 2024 مما قد يتطلب إعادة النظر في هذه المقاربة التي يعتمدها البنك المركزي”.
ويرى أنّ “المشكلة الرئيسية التي كانت وراء ارتفاع التضخم المالي في تونس ليست تنامي الاستهلاك، أي الطلب، بل تقلّص العرض أي الإنتاج وهو ما تبينه الأرقام الأخيرة للنمو الاقتصادي للثلاثي الأول من سنة 2024 “.
ويقترح الخبير الاقتصادي “انتهاج سياسة جديدة لمقاومة التضخم المالي تعتمد على الحد من العجز الطاقي عبر التوجه إلى الطاقات المتجددة وخاصة الفلوتو ضوئية”.
وشكل العجز الطاقي لتونس خلال الثلاثي الأول من 2024 وكما الحال بعد الثورة، الحصة الأكبر من العجز التجاري واستحوذ العجز الطاقي، خلال الثلاثي الأول من 2024 ،على 4 مليار دينار من 4.8 مليار دينار تحملها البلاد على شكل عجز تجاري وقد وجهت هذه الموارد لتوريد الغاز والكهرباء.
كما يقترح الشكندالي، لسد العجز في الميزان التجاري، وأساسا التحكم في عجز الميزان الطاقي، تسريع الاستثمار في الطاقة الشمسية من خلال تشجيع المستثمرين الخواص والعائلات التونسية، وبناء سياسات هادفة خاصة أن المشرف الأول على البنك المركزي التونسي في الوقت الحالي من الكفاءات في مجال الطاقات المتجددة.
لكن الشكندالي يرى أن قطاع الطاقات المتجددة مايزال محاطا بالقيود والإجراءات الإدارية وانعدام الحوافز التي تعيق الاستثمار خاصة أن العملية تشترط الحصول على رخصة من وزارة الصناعة وبشروط محددة تمليها الإدارة كما تصاحبها تعهدات مالية تفرض على المواطن توفير ثلث من المبلغ المطلوب للاستفادة من تركيز اللاقطات الشمسية.
ويتطلب تركيب وحدة إنتاج بحجم 4 كيلواط، وفق الشكندالي، دفع مبلغ 5 آلاف دينار من إجمالي 15 ألف دينار وهو مبلغ مالي مهم جدا لا يتوفر لدى أغلب الراغبين في الحصول على هذه الخدمة.
ويتحصل المستفيد من خدمة تركيب اللاقطات الشمسية على مبلغ 10 آلاف دينار المتبقي على شكل قرض يتم تسديده على شكل أقساط للشركة التونسية للكهرباء والغاز، على 7 سنوات بمبلغ 326 دينار على كل فاتورة أي كل شهرين.
ويتحمل المواطن دفع مبلغ 13 ألفا و615 دينارا متضمنا نسبة فائدة تناهز 3 آلاف و615 دينارا مما يمثل 36 بالمائة تقريبا من المبلغ المرصود من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
ويوضح الشكندالي أن المستفيد من خدمة اللاقطات الشمسية، يدفع ضمن كل فاتورة استهلاك للشركة التونسية للكهرباء والغاز 326 دينار من بينها 86 دينارا على شكل فوائد تذهب إلى خزينة الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
ويرى أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز عاجزة عن توفير الموارد المالية اللازمة لإقراض المواطن، فتلتجأ إلى الاقتراض من البنوك التونسية لتوفير مبلغ الـ 10 آلاف دينار لكل مواطن.
وتدفع الشركة تبعا لعملية الاقتراض هذه الفائدة أي 3 آلاف و615 دينارا لبنوك الساحة التي تعتبر قطاع الطاقات المتجددة من القطاعات المدرة للأرباح.
ويدعو الشكندالي، في هذا السياق البنك المركزي التونسي، إلى التدخل من خلال إجبار البنوك على الانخراط ضمن مشروع وطني لدعم الطاقات المتجددة والتي ستكون لها تداعيات جيدة جدا على كل المستويات الاقتصادية.
كما يعتبر أنه في حال توفر الطاقة سيتقلص العجز التجاري وتتحسن بالتالي قيمة الدينار وينخفض التضخم المالي ويتحسّن النمو الاقتصادي وهي خطوة تساعد البنك المركزي التونسي على الحد من التضخم المالي، خاصة أن كبح التضخم يعد هدف سياسته النقدية الأساسي.
واقترح الشكندالي، في هذا السياق، على البنك المركزي التدخل بشكل مباشر لإقراض الشركة التونسية للكهرباء والغاز دون فائدة مما يجنب المواطن تكبد أعباء فاتورة عالية تتضمن 3 آلاف و615 دينارا تتحصل عليها البنوك التونسية.
وطالب الدولة بحذف التراخيص للاستثمار في الطاقات المتجددة خاصة أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز تحدد أسعار بيع الطاقة المتجددة وتترك الحرية التامة للمستثمرين للاستثمار في الطاقات المتجددة.
وأكد أن خطط الحكومة، وفق قانون المالية لسنة 2024 المتعلقة برفع الأداءات الجمركية إلى 30 بالمائة ابتداء من جانفي 2025، ستزيد في كلفة اللاقطات الشمسية وبالتالي لا يشجع العائلات التونسية والمؤسسات الاقتصادية اللجوء إلى الطاقات المتجددة.
وسيخفض إعفاء اللاقطات الشمسية من الأداءات، التكلفة التي يدفعها المواطن التونسي والكلفة التي تتحملها الشركات التونسية عند تركيز هذه الخدمة، مما سيسهم حتما في تراجع معدلات التضخم المالي وفق الشكندالي.
وات