تتواصل عروض قسم "مسرح الحرية" ضمن الدورة الخامسة والعشرين من أيام قرطاج المسرحية لليوم الثالث على التوالي.
وقدم نادي المسرح للمودعين بالسجن المدني ببرج الرومي مسرحية بعنوان "مصنع الذكريات" وهو عمل اشتغل فيه المودعون على الأداء والمؤثرات الجمالية الصوتية والركحية وقد كتب نصه وأخرجه أحد المودعين الذي شارك أيضا في بطولة العمل.
مسرحية "مصنع الذكريات" هي عبارة عن رحلة عبر الزمن يفتح من خلالها كل بطل ما أسموه ب"خزانة" الذكريات ليعود بأسلوب ترميزي إلى محطات من حياته ومن حياة العديد من الأشخاص الذين قد تقاطع مساراتهم وذكرياتهم. وهو عمل يعكس ما راكمه أعضاء نادي المسرح في السجن المدني ببرج الرومي من تجربة، وهو الذي حاز على عدة جوائز في دورات فارطة من أيام قرطاج المسرحية.
اختار أصحاب العمل اعتماد جدار بريشت حيث يسقط الجدار الرابع ويتوجه الممثل بالحديث إلى الجمهور ليصبح فاعلا ومشاركا في العرض وراوحوا بين التمثيل والموسيقى والرقص في تعبير عن قيمة الزمن وأبعاده.
"مصنع الذكريات" عمل لعبت فيه السينوغرافيا دورا كبيرا من خلال الإضاءة في الخلفية التي تضمنت مكونات الساعة بما فيها من إشارة إلى أهمية الزمن وتفاوت قيمته من شعوب إلى أخرى وانعكاسه على جملة القيم الاجتماعية كقيمة العمل وقيمة الالتزام المجتمعي وغيرها من ماهو مشترك بين الأفراد داخل المجتمع نفسه.
لعبت العناصر الجمالية في المسرحية دورا هاما في تسلسل الأحداث ومن ذلك استخدم "الإطار" بما يحمله من رمزية فالإطار يمكن أن يعبر عن الفضاء الخاضع لمعايير ونواميس مضبوطة مسبقا كما يمكن أن يرمز إلى النظام "الرمزي" الذي تخضع له السيرورة التاريخية للأحداث بالإضافة لكونه يحدد حركة الشخصيات ويجعلهم مجرد صور داخل إطارات ولكن تبقى هذه "الإطارات" فضاءات مادية مهمشة كما جاء على لسان احد الممثلين في إشارة إلى التهميش في الواقع الاجتماعي فكم من حدث وثقته عدسات الكاميرات وحُفظ في إطارات ومع ذلك كان النسيان مآله.
حملت المسرحية في طياتها العديد من الرسائل سواء من خلال النص الذي كان مدججا بالعاطفة والتأملات الوجودية في واقع الأفراد حاضرهم وماضيهم الذي يمثل سجنهم الأبدي، إذ يستحضر أبطال العمل ذكريات لا تدعو إلى التمسك بالماضي بقدر ما تحفز على التفكير في المستقبل.
وفي السياق ذاته وبالحديث عن هذا العمل أشار أحد المشاركين وهو كاتب النص ومخرجه إلى أن المسرحية عبارة عن مصنع للأحاسيس التي تُستمد من شخصيات من واقع كل فرد فالكثير من الأشخاص خاصة ممن يعانون مآسي الحياة على غرار السجن على حد تعبيره يجدون في الذكريات مفرا من أمكنة قد يتوقف الزمن فيها ولكن تبقى خزائنهم المليئة بالذكريات والقصص ملاذهم الأمن.
تجسدت قصة "مصنع الذكريات" من خلال 4 شخصيات رئيسية وهي حافظ الذكريات، عامل الأرشيف الذي يخزن كل الذكريات وشخصية المُتحكم فيها وهو مصلح الساعات الذي قد يزيد الوقت أو يعدله بما يتماشى مع خياراته بالإضافة إلى موثق اللحظات وهو المصور الفوتوغرافي الذي يحاول اقتناص أهم الذكريات وشخصية بائع الذكريات الذي يبيع الأشياء المستعملة محملة بذكرياتها وتجاربها بالإضافة إلى حارسا المتحف اللذان يسهران على حماية الذاكرة والذكريات، ولكن سُرقت خزانة الذكريات فمن سرقها ؟ من سرق خزانة الذكريات ؟ ومن من مصلحته القضاء على الذاكرة ؟ومن أوقف عقارب الساعة لإيقاف الزمن؟ وهل يمكن ايقاف الزمن؟
تساؤلات فلسفية طرحت في فضاء فني تحولت فيه الحرية إلى معطى رمزي يسكن العقول فحول السجين إلى حر والحر سجين ذكرياته.
وات