ثقافة و فن

توفيق جبالي: صراحة وجدلية في قلب المسرح التونسي

 كلما تحدث رجل المسرح التونسي توفيق جبالي إلاّ وأثار الانتباه والجدل أمام جمهور غفير من المهنيين من مختلف الأوساط، شارك تجربته بصراحة، وانتقد بعض مواقف الجمهور والجيل الجديد من الفنانين التونسيين، مستعرضا محطات من مسيرته. ولد جبالي عام 1944، وبعد أن مارس عدة مهن، اتجه إلى المسرح بدافع الضرورة .

واليوم، ورغم حضوره الرمزي الكبير في المشهد المسرحي التونسي، يرفض الجبالي هذا الوصف، ويفضّل أن يقدّم نفسه بعبارته الشهيرة: "رجل المسرح الذي ليس كذلك".
بصراحة مدهشة، تطرّق الجبالي إلى فكرة"اللغة كجدار فصل"، خاصة حين يتعلق الأمر بالرقابة، التي يرى أنها عاجزة عن ملاحقة ما يُقال بين السطور.
وتحدّث عن ذكرياته مع لجنة الرقابة، ملاحظا  أنها كانت تنشغل بالقشور مثل بعض الكلمات "المبتذلة"بينما تغفل جوهر النص وروحه.
كما انتقد مؤسس التياترو الجمهور الذي يبحث أحيانا عن  روابط بين أعمال لا أساس لها. 
كما أثبت ذلك ارتباك الجمهور في حفل الافتتاح، الذي رأى صلة بين مقتطفات من الملك لير التي أدتها جليلة بكار ونسخة يحي فخراني. وأعرب عن دهشته إزاء المجتمع التونسي الذي يشهد تغيرات مستمرة: "يوما يكون محافظا، وفي اليوم التالي يكون حداثيا ، قبل أن يغرق في الفوضى 
تساءل توفيق الجبالي بسخرية: "كيف يمكن لرجل مسرح أن يستلهم من مجتمع لا يعرف إلى أين يتجه؟"مشيرا إلى الفرق بين التفسير والنقد المسرحي. كما انتقد الانقسامات بين النقاد: الناقد الأكاديمي، والناقد المبلغ، والناقد المدمر الذي يفرض رؤيته الخاصة.
أما بالنسبة لأعماله، فقد قال : "أنا لا أسعى لإرضاء الجمهور. فإن لم توافق توقعاته، فأنت فنان فاشل. أنا أحب أن أكون هذا الفاشل". وفي معرض حديثه عن الجيل الجديد من الفنانين التونسيين، أعرب جبالي عن أسفه لعدم وجود رؤية واضحة للمسرح التونسي، متسائلا:  "أين هي الحركة المسرحية؟ آخر بيان، البيان 11، يعود إلى ستينيات القرن الماضي. أين الفنانون والقضايا الكبرى لهذه الجيل الجديد؟" 
خلص  توفيق الجبالي إلى غياب الإستراتيجية والهيكلية في المشهد المسرحي المحلي. وتجدر الإشارة إلى أن اللقاء مع جبالي أداره الناقد المسرحي لطفي العربي السنوسي.
المسرح، استكشاف الحياة اليومية
في اليوم الثاني من المنتدى المسرحي، تمكن الحضور من اكتشاف محطات من تجربة ماريا أديلاييد بالاشيو. وهي أكاديمية وكاتبة وممثلة ومخرجة كولومبية تدير حاليا قسم الفنون المسرحية في جامعة بونتيفيكال جافيريانا، وقد شاركت الحضور منهجها المضاد للركود القائم على الحياة اليومية والمركز على التفاعل مع الجمهور. "بعض التفاصيل من الحياة، أحيانا شهر، نظرة، إيماءة، تلفت انتباهي... إنها مثل شرارة، نوع من الإلهام. لا أرى المسرح معزولا عن اهتمامات الناس اليومية"، كما كدت. وهو ما ترجمته في مشروعها "الخروج إلى الشارع ليس نهاية العالم". أنشئ هذا المشروع الخرائطي الحضري في عام 2022، ودعا المشاركين إلى إعادة ابتكار وإعادة تصور المدينة من خلال الكتابة. وقد قدمت المديرة الثقافية والمنتجة الفنية الكولومبية مانويلا فالديري اللقاء، الذي أتاح للحضور تكوين فكرة عن المشهد الفني الكولومبي المعاصر.
كما استمع الحضور باهتمام شديد إلى عرض مسيرة رجل المسرح الروسي كولوف تيمور، الذي يدير حاليا مسرح براينستيف للشباب في سانت بطرسبرغ. ركز المخرج والممثل في مداخلته على الدور الهائل للتدريب، مشددا على أن التدريب والموهبة يكملان بعضهما البعض. وقد استعرض هذا الفنان الذي حقق العديد من الإنجازات وحظي بمسيرة مهنية حافلة بأكثر من أربعين عملا مسرحيا للكبار وعشرين عملا للأطفال، بعض التفاصيل التي تشكل قوة المسرح الروسي.
عز الدين المدني، مسيرة منذورة للغة العربية
غاب المسرحي التونسي عزالدين مدني عن اللقاء لأسباب صحية، فقدمه الأكاديميان والباحثان محمد عبازة وبسمة فرشيشي. وعزالدين مدني، شخصية بارزة في المسرح العربي والتونسي، صاغ خطابه المسرحي بالاعتماد على اللغة العربية وثراء التراث الأدبي. وأشار الأستاذ الفخري في التعليم العالي محمد عبازة إلى أن عزالدين مدني كان "ضحية" خياراته الفنية وتعلقه بالنصوص الأساسية للأدب العربي. كما أكد أن مدني تعرض للرقابة مرارا وتكرارا لاعتماده نصوصا "غير ملائمة" للعصر والسياسات العامة. وأشار إلى أن غالبية رجال المسرح التونسيين، وكذلك العديد من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، لديهم تحفظات أو يرفضون تماما تجربة عزالدين المدني، التي يعتبرونها "قديمة" و"عفا عليها الزمن"ولا تلبي متطلبات العصر. وبصفتها مختصة في قراءة أعمال المدني ومسيرته، أكدت الدكتورة بسمة فرشيشي في مداخلتها أن مسرحياته تتميز بمزيج جميل من التراث والثقافة الشعبية والوقائع التاريخية والتقاليد الشفوية، دون أن تنفصل عن الحياة اليومية واهتمامات الإنسان العربي والمواطن التونسي.
كما استعرض الدكتور محمد عبازة  مختلف أعمال هذا الكاتب المسرحي والروائي والأكاديمي والمترجم والناقد الفني التونسي الذي يحظى بمكانة مرموقة في دول الخليج العربي وكذلك في المغرب.
تولدي: تحية إلى رجال المسرح في غزة
بعد أن قدّمه الأستاذ الجامعي في علم الموسيقى ومدير الفضاء الثقافي أيكارت عادل بوعلاّق،  تساءل مدير المسرح الفني في أستراغالي والكاتب والمخرج الإيطالي "فابيو طوليدي" عن الظروف التي يعمل فيها الفنانون والفنيون وراء الكواليس، قائلا: "لننظر إلى كل هؤلاء الرجال والنساء الذين يعملون في الخفاء لضمان سير العروض بشكل جيد في أيام قرطاج المسرحية. إنهم يستحقون اهتمامنا وتقديرنا".
وأشاد طوليدي بشجاعة وشغف وصبر الفنانين في غزة الذين يحاولون رغم كل شيء إبقاء مسارحهم مفتوحة وتقديم بعض العروض هنا وهناك لتأكيد أن المسرح فكرة وقوة مقاومة لا تموت أبداً.
وقد أعلن عادل بوعلاق أنّ الفنان الإيطالي الذي زار الكاف مرات عديدة يعمل حالياً على إعداد مشروع ضخم تشارك فيه عدة المؤسسات وستكون  مدينة الكاف في قلب المشروع.