كتب- منذر بالضيافي
برز تباين خفي وغير مصرح بين كل من الرئاسة والحكومة التونسية تجاه تطورات الحدث الليبي الأخير، ففي حين سارع الرئيس منصف المرزوقي برفض التحرك "الانقلابي" ضد المؤسسات الشرعية، فان وزارة الخارجية لم تصدر موقف صريح، باستثناء بيان دبلوماسي "يتيم"، حذرت فيه من السفر الى ليبيا.
يري كل المراقبين للعلاقة بين الرئاسة وحكومة جمعة المستقلة، أنها تعرف حالة من البرود وأن مستويات التنسيق في أدناها بين الطرفين، خاصة في الملفات التي يكون للرئيس فيها مجال صلاحيات واسعة، على غرار السياسة الخارجية.
برز هذا الخلاف من خلال ردة فعل وزير الخارجية على أسئلة الاعلاميين حول موقف رئاسة الجمهورية من الوضع في ليبيا، حيث رد قائلا "اسألوا رئاسة الجمهورية عن ذلك''. و أضاف بلغة دبلوماسية روتينية "إن ثوابت الديبلوماسية التونسية هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والوقوف على نفس المسافة من جميع الأطراف.". وأشار الحامدي إلى "أن الديبلوماسية التونسية تعتمد مبدأ الهدوء والرصانة"، مضيفا "أنه يجري متابعة تطور الأوضاع في القطر الليبي حتى تكون السلطات التونسية مستعدة لأي إنعكاس محتمل للأزمة على تونس".
وتجدر الاشارة الى أن هناك اجماع من قبل كافة الأحزاب التونسية على ضرورة الحياد تجاه ما يحصل في ليبيا وعدم الاصطفاف وراء طرف دون اخر، وربما هذا هو موقف وزير الخارجية في حكومة جمعة، عندما أعاد التذكير بثوابت السياسة الخارجية التي اعتمدتها الدبلوماسية التونسية منذ نشأتها، القائمة على الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، أو التحول الى طرف في الصراع الداخلي لأي دولة، على غرار ما حصل في سوريا وما يمكن أن يحصل أيضا في ليبيا لو لم يقع التعديل والتدارك . و لعل في لجوء الوزير الحامدي الى "ثوابت السياسة الخارجية"، يعبر وبأسلوب أو منهج مدرسي عن "موقف دبلوماسي" من تصريحات المرزوقي الأخيرة على الحدث الليبي، يستشف منه رفض الوزارة وبالتالي الحكومة لهذه التصريحات أو على الأقل عدم رضى عنها.
وفي هذا السياق لم تخفي قيادات الأحزاب الرئيسية في تونس - باستثناء حزب النهضة الاسلامي-رفضها لموقف الرئيس المرزوقي، الذين رأوا فيه تدخلا في الشأن الليبي الداخلي، وانتصار لطرف على حساب طرف اخر.
لكن هذا الموقف لم يمنع وجود أصوات مهمة ترفض ما تعتبره "النهج الانقلابي" و "تدخل الجيش في الحياة السياسية"، وهو ما عبر عنه صراحة رئيس حركة "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، الذي دعا الى أولوية الحوار الوطني والمحافظة على الشرعية لكن هذا لا يكون دون الاصطفاف وراء موقف أو طرف دون غيره وهذا ما حرص السبسي على التأكيد عليه، كما أدان بمفردات واضحة "الانقلاب" وحرص على تقديم تعريف له، وهنا أكد على اعتبار ما حصل في مصر ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا، حيث قال في حوار ليلة الثلاثاء على قناة "نسمة" المحلية أن الجيش المصري تدخل استجابة لمطلب شعبي واسع من أجل استمرار الثورة والانتقال الديمقراطي، وبالتالي فان ما حصل في مصر لا يمكن وصفه بالانقلاب العسكري، وفق تعبيره.
من جهة أخرى أكد شهود أن الحركة على معبر رأس جدير الرئيسي بين ليبيا وتونس قد شهدت حركية ونسق تصاعدي في عدد الوافدين على تونس، ونقلت تقارير اعلامية أن عدد الوافدين من ليبيا على معبر راس الجدير وصل قرابة 7000 وافد في اليومين الماضيين. وفي هذا السياق قال وزير الخارجية أنه تم الإتصال بمفوضية اللاجئين بجنيف تحسبا لتدفق أعداد من الاجئين إلى تونس نتيجة الوضع الأمني المتدهور في ليبيا، مؤكدا وجود تفهم من المفوضية. وقال الحامدي انه تم التخفيض إلى الحد الأدنى من التمثيل الديبلوماسي في ليبيا، مشددا على وجود الحد الادنى من الموظفين في السفارة وقنصليات تونس بليبيا لتوفير الخدمات لجالية تعد أكثر من 100 ألف تونسي.