نشطت خلال الفترة الأخيرة التسريبات، التي تجمع على أن رئيس الحكومة الحبيب الصيد بصدد الانكباب على تقييم أداء فريقه الحكومي. وذلك بمناسبة عرض تقييم "أولي" لحكومته، بعد مرور المائة يوم الأولى من نشاط الحكومة. كما أن هناك شبه "تأكيدات" لى أن الصيد "قد يلجأ إلى إجراء تعديل وزاري، بعد التقييم لكن دون الرجوع إلى الأحزاب الأربعة المشاركة في الحكومة". فهل قرر الصيد تحمل كل المسؤولية لوحده في ظل غياب أي سند سياسي وخاصة حزبي لحكومته؟
في البداية، من الضروري الإشارة مرة أخري، ومن باب التذكير، أن حكومة الحبيب الصيد، ولدت في علاقة بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبوجود ما يشبه "الإجماع" من قبل الفاعلين السياسيين الرئيسيين، على أن تونس لا تحكم في هذه الفترة الانتقالية، من قبل طرف وحيد أو حزب واحد. وهو تشخيص ايجابي، لكنه لم يترجم في الواقع، خاصة في علاقة بدعم الحكومة، التي نلاحظ أنها بقت بلا سند سياسي، كما كان حال حكومة مهدي جمعة. وهي مفارقة "عجيبة" لحكومة لها كل "الشرعيات"، كما علقت عليها كل الانتظارات.
بعد أكثر من شهرين، نجد أن الحكومة ليست حزبية، برغم أن هناك انطباع كبير بأنها حكومة "نداء تونس"، الحزب الفائز في الانتخابات، والذي كلف الصيد بتشكيل الحكومة، حتى وان كان شخصية مستقلة من خارج الحزب، لكنه يحظى بثقة رئيس الحزب، الذي هو رئيس الدولة، ما يجعل البعض يصر أنه بقى "خاضعا" لسلطته. برغم أنه "يتعارض" مع أحكام الدستور الجديد. لكن، وفي الواقع، هناك "تضخيم" كبير لادعاء "هيمنة" الرئيس على الحكومة. ولعل هذا "الاتهام" يفسر بشخصية الباجي قائد السبسي من جهة، وبطبيعة أو خصوصيات المرحلة التي تمر بها البلاد من جهة ثانية. والتي تفترض تجربة سياسية خاصة –ان لم نقل استثنائية- خاصة في مواجهة الارهاب، أو في العلاقات الخارجية، في محيط اقليمي ودولي شديد التقلب. وهو ما فرض حضورا قويا لرئيس الدولة في المشهد. لكنه حضور بقي في مجال "تدخله الدستوري"، أي "الأمن القومي" و "الدبلوماسية". اضافة الى أنه لم يعق رئيس الحكومة وحكومته، ولعل حصول بعض النجاحات في مواجهة الارهاب، دليل على ذلك، خصوصا وأن يتم تحت اشراف رئيس الحكومة، لا الرئاسة في قرطاج. هذا الى جانب بقية أنشطة الصيد التي بقت نوعا ما غير بارزة، ربما نتيجة السياسة الاتصالية المتوخاة.
حكومة بلا سند سياسي وحزبي
بعيدا عن الجدل حول تقاسم السلطة بين قرطاج و القصبة، فان هذا "التداخل" الذي يصر البعض عليه، لم يكن مؤثرا على نشاط الحكومة بصفة سلبية. وانما ما يمكن أن يكون مفسرا لبعض "الرتابة" و "غياب الجرأة" لدى حكومتنا العتيدة يختفي وراء أسباب أخري.
هناك انطباع حاصل بأن حكومة الصيد تبدوا كما لو أنها حكومة تصريف أعمال. وليست حكومة مسنودة بأغلبية برلمانية مطلقة. وهو ما برز من خلال أداؤها الى حد الآن. من ذلك أنها لم تحدث ما يمكن أن نطلق عليه ب "الصدمة الايجابية" سواء لدي الشارع التونسي أو في الادارة أو لدي النخب والفعاليات السياسية والمجتمع المدني. وهذا ما جعلها تظهر وكأنها حكومة بلا سند وبلا ظهير سياسي يسندها، برغم أنها مكونة من أربعة أحزاب، بما فيها "النهضة" الاسلامية. فالأحزاب المكونة لحكومة الصيد، تركت الرجل لوحده يواجه جبال من المشاكل والتحديات، التي تعجز "الجبال" على حملها. وبقت في موقع "المتفرج"، وكأن الحبيب الصيد وفريقه الحكومي، يملكون عصا سحرية لتغيير الواقع، الذي ما زالت تغلب عليه ما أصطلح التونسيون على تسميته ب "حالة الانفلات".
ان مسؤولية اعادة "هيبة الدولة"، ليست مهمة الحكومة لوحدها، خاصة في هذا الظرف المتسم ببروز مخاطر تهدد بقاء الدول أصلا، في علاقة بتمدد الارهاب ووجود مخططات لاعادة تقسيم جغرافية المنطقة. وبهذا فان "الوحدة الوطنية"، هي المخرج لتطبيق القانون ودفع التونسيين الى العودة للعمل، عبر حصول ادراك جماعي بطبيعة التحديات التي تواجه المجتمع والدولة في تونس. وهو مجهود بيداغوجي لا تقوم به الحكومة لوحدها، كما أنه يقتضي ابتداع حلول لحلها ولتجاوز تأثيراتها. وهنا نشير الى أن الحلول تكون من خلال حصول تضامن واسع تكون الحكومة أحد أطرافه. وهو ما هو غائب الى اليوم، بل أن الحكومة التي هي حكومة تحالف سياسي وحزبي، نجدها تعمل بلا سند وبلا تضامن من قبل الأحزاب المكونة لها، ولا أيضا المجتمع المدني الذي ساهم في الوصول الى التسوية السياسية، التي كانت ثمارها الحكومة الحالية. وهنا نتساءل ب "صدق" و "عفوية" عن دواعي تصاعد الاحتجاجات الفؤية، هذا "التسونامي" من الإضرابات في قطاعات حيوية، زادت في اعاقة الانتاج وفي ارباك سيطرة الدولة، بل أنها زادت في اضعافها.
ان "العزلة" التي تعيشها حكومة الصيد، وغياب السند والتضامن السياسي والحزبي معها، طبعا سيجعلها ضعيفة وغير مهابة. وهو وضع لا يتحمل مسؤوليته رئيس الحكومة. بل تتحمله الأطراف السياسية التي "باركت" ميلاد هذه الحكومة، وأعطت الثقة في رئيسها، بوصفه على الأقل في حل من كل الضغوطات الحزبية، وهو ما لم تدركه الأحزاب المشاركة في الحكومة حق قدره. ما يجعل البعض يشكك في نواياهم تجاه هذه الحكومة. خصوصا وأن هناك حديث في الكواليس على "انها حكومة امتصاص "الشوك" ثم يتم المرور لتشكيل حكومة جديدة".
عموما، نقول ان فرصة "تعديل الأوتار" ما زالت ممكنة، خصوصا بعد تنادي الأحزاب الأربعة، الى التواعد على اللقاء، وهو لقاء سيكون قطعا مناسبة للخروج بأفكار وسياسات ومواقف تقطع مع "الفرجة" التي طبعت علاقتها مع الحكومة منذ تشكيلها. لقاء يتزامن مع قرب مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة، ومع حديث عن امكانية حصول تغييرات في تركيبتها. وهنا نؤكد أن "تقييم" أداء الحكومة، لا يعنينا اليوم بقدر ما يعنينا تقييم أداء التحالف الحزبي الذي شكل الحكومة.
ان الهنات التي برزت وظهرت في أداء الحكومة، هي في الواقع وقع تصديرها من الخارج، تحديدا من الأحزاب المشكلة لها. سواء من حزب "نداء تونس" المفروض أنه هو الحزب الحاكم، الذي يعيش أزمة "هيكلية" ويمر بوضع أقرب الى التفكك. ومن جهة أخري، نجد أن حركة "النهضة"، اكتفت منذ تشكيل الحكومة التي هي طرفا فيها، بوضع هو أقرب الى المراقبة والترقب والانتظار، وهي هنا تقدر-ربما- أنها مستفيد من هكذا وضعية، فهي لا تتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة، وبالتالي غير مسؤولة على فشلها –ان حصل ذلك-.
منذر بالضيافي