استقالة الوزير، الأزهر العكرمي على أهميتها "الرمزية"، فانها في تقديري، لن يكون لها تأثيرا كبيرا لا سياسيا ولا اعلاميا، ولا أيضا على العمل الحكومي. وهذا ما نقلته لصديقي العكرمي، في مكتبه بحي "لافايات" بالعاصمة، ساعات قليلة قبل الاعلان الرسمي عن هذه الاستقالة (صبيحة الاثنين)، التي أعلمني بها مسبقا، مساء الأحد. فما هي خلفيات هذه الاستقالة ؟ وما هي تداعياتها على حكومة الصيد ؟ وما هو البديل الذي سيقدمه بعض "الندائيين" المطالبين باسقاط حكومة الصيد؟ وهل تسير بلادنا نحو الانزلاق نحو الفوضى في ظل تواصل اضعاف الدولة؟
استقالة العكرمي، هي في الواقع بمثابة اعلان رسمي عن القطيعة بين "فريق" من قيادات "نداء تونس" يتزعمه الامين العام للحزب مع رئيس الحكومة، هذا ما سيجعل الرأي العام المجتمعي والسياسي وكذلك الاعلامي، يتعاطي معها كاستمرار لمسلسل التجاذبات التي تشق الحزب الاغلبي، خاصة في علاقة بالموقف من الحكومة وتحديدا رئيسها. وهنا نذكر بأن جناح الأمين العام في "النداء" غير راض على سياسات الصيد، خاصة في ملف التعيينات والذي برز بوضوح في حركة الولاة الأخيرة.
العكرمي يستقيل بسبب التهميش
كما ان "الحقيبة الوزارية" التي كان يشغلها العكرمي، ليست "هامة" في عمل الحكومة، ومن شأنها بالتالي أن تربك أحد القطاعات الحيوية في البلاد، لو كان الرجل يشغل حقيبة مثل الصحة او النقل أو غيرها...، فهي حقيبة وضعت للعكرمي على قياسه، وهي أيضا غير مهمة في رؤية ومنهجية عمل رئيس الحكومة، الحبيب الصيد. وهي حقيقة يعرفها العكرمي، منذ اليوم الأول "لتوزيره"، وقد تأكد من ذلك خلال الممارسة اليومية، خاصة في علاقة برئيس الحكومة، الذي تعاطي بشيء من "الإهمال" مع الخطة الحكومية التي كان يشغلها القيادي الندائي، الذي كان يحلم –وهذا من حقه بل مشروعا له – أن يكون له "دورا سياسيا" مؤثرا ووازنا داخل حكومة التقنوقراطي الحبيب الصيد ، دور يتناسب لا وطموحاته فقط، بل يتناسب مع وزنه كقيادي في "الحزب الحاكم". وهو ما أكد عليه العكرمي في أول تصريح له بعد الاستقالة، حيث قال: " "قدمت استقالتي بعد تأمل، وبعد مدة من التفكير، لأنني أحسست أنني في وضع سأتحمل نتائجه، دون أن أكون شريكاً في اتخاذ القرارات والسياسات".. بما يؤكد أنه كان مغيبا وعن قصد عن المشاركة في صنع السياسات والقرارات الحكومية.
"التهميش" وغياب الدور المؤثر في الحكومة، اضافة الى اتساع الهوة بين رئيس الحكومة وبعض الندائيين –من الجناح القريب منه- جعل العكرمي "يثور" على هذا الوضع ويعلن الاستقالة. معبرا بذلك عن عدم رضا شخصي وأيضا حزبي، واضاف اليهم بعدا نقديا في علاقة بتقييم أداء الحكومة والوضع العام في البلاد. وهي مسوغات تبقي ضرورية لاعطاء "شرعية" لهذه الاستقالة التي كانت منتظرة، بل التي تأخرت كثيرا، خاصة بعد وصول الصراعات بين الفرقاء في حزب "نداء تونس" الى مرحلة "كسر العظام"، ولا نبالغ بالقول أن فرص أو حظوظ التعايش بين "المتصارعين" أصبحت مستحيلة. وبعد أن أصبحت عودة العكرمي للحزب أنفع من بقائه الصوري في القصبة. أنفع بالنسبة للمعني بالأمر، الذي سيكون أقدر على اعادة التموقع من جديد في المشهد السياسي، وأنفع لحلفائه في "نداء تونس" الذين يخوضون معركة "مصير" و "وجود" مع خصومهم في الحزب.
وهو ما برز منذ لحظة اعلان الاستقالة، اذ بسرعة التقط رموز "الجناح" المعارض للصيد، استقالة الأزهر العكرمي ليعلنوا عن فشل الحكومة ورئيسها في ادارة البلاد، وليمروا بسرعة قصوى الى المطالبة "برحيل الحكومة". وهو ما دعا له القيادي في حزب "نداء تونس"، منذر بلحاج علي، الذي طالب صراحة "بضرورة استبدال حكومة الحبيب الصيد بحكومة سياسية". الذي قال أن " حكومة حبيب الصيد لم تقدم شيئا للتونسيين ويجب استبدالها بحكومة سياسية قوية"، مضيفا أن "حكومة الصيد لم تقدم الى التونسيين شيئا من انتظاراتهم.".
نداء تونس يعلن فشله
كما اعتذر المنذر بالحاج من ناخبي حزب "نداء تونس" قائلا: " نعترف اننا لم نستطع تحقيق وعودنا الانتخابية وفشلنا فشلا ذريعا وسنعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه". وأضاف بالحاج علي في تصريح اعلامي، ان رسالة الوزير المستقيل مؤخرا من الحكومة الأزهر العكرمي، "رسالة شديدة اللهجة ولكنها واضحة"، وفق تعبيره. مشيرا الى أن " هذه الاستقالة تجعلني أنصت اليها مليا وعلى الحكومة ان تنصت هي بدورها". وتابع المنذر بالحاج علي "ليس من اختصاصي ان اقلل او أعظم من شان الاستقالة لكن الأمر يجعلني أفكر كثيرا في مستقبل تونس ومستقبل حزبنا.".
كما أبدي بالحاج تحفظ على تشريك "النهضة" الاسلامية في الحكم. مؤكدا علي "ان الدخول مع حركة النهضة في الحكومة لا يعتبر تحالفا وليس خيانة للناخبين". وقال المنذر بالحاج علي "ان تونس نجحت في إخراج حركة النهضة من العنف"، مضيفا "لكننا لا ننفي اننا في حالة عرقلة سياسية، باعتبار ان النهضة تقوم دائما بعرقلة سياسيات الحكومة كما حصل مع عزل الائمة".
يسار النداء يريد اسقاط الحكومة
وتجدر الاشارة، الى أن هناك خلافات كبيرة تشق الحزب الحاكم "نداء تونس" حول من يتزعم الحزب، وذلك بعد انتقال زعيمه التاريخي الباجي قائد السبسي الى رئاسة تونس. وهي خلافات تخفي أيضا تباينات حول "هوية"الحزب. وهو ما أشار اليه بعض الندائيين، الذين يتمسكون بأن "الصراع اليوم في نداء تونس، ليس صراعا بين "بارونات" يريد كل واحد منهم الهيمنة على الحركة، و ليس صراعا بين اليسار و الدساترة، و انما هو صراعا من اجل الهوية، فاما ان يكون "نداء تونس" حزبا ديمقراطيا حداثيا بورقيبيا، و اما ان يكون حزبا دستوريا اسلاميا.
وبالتالي فان الصراع هو حول هوية الحزب، فمنتخبي و مناضلي "نداء تونس" اجتمعوا حول مدنية الدولة ضد من ينادوا بالخلافة، و حول الاعتراف بالاجيال المتتالية للحركة الوطنية التونسية، و التعهد بالمحافظة على المنوال المجتمعي التونسي، و بمواصلة البناء و التشييد و تكريس الحرية و الديمقراطية، و باحترام كافة الاراء المخالفة و الاحزاب المنافسة، و على راسها حركة النهضة، اما و ان تلتحق النهضة بعائلتنا باعتبار اختلاق جدا مشترك الا وهو المناضل عبد العزيز الثعالبي، فهذا ما لا نرضاه لانه تزييف للتاريخ و ارتهان للمستقبل".
بالعودة للخلافات، نشير الى أنها تحولت خلال الفترة الأخيرة الى تبادل للعنف داخل الاجتماعات، بين الجناح "اليساري" بقيادة الأمين العام للحزب محسن مرزوق، الذي أصبح يدعوا صراحة الى اسقاط حكومة الحبيبي الصيد، واقامة حكومة سياسية يرأسها شخصية من "نداء تونس".
في المقابل يتزعم الجناح الثاني الذي يقدم نفسه على أنه الجناح "الدستوري" المعارض لليساريين، ابن الرئيس السبسي حافظ قائد السبسي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الحزب، وهو من يتمسك بالتحالف الحكومي الحالي مع حركة "النهضة" ويدافع علي بقاء الحكومة الحالية، برئاسة الشخصية المستقلة الحبيب الصيد، وهو الموقف الذي يتبناه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي دافع في أكثر من
.مناسبة على رئيس الحكومة الحالي
اسقاط الحكومة مغامرة
من جهة أخري، يري العديد من المحللين أن الدعوة لاسقاط الحكومة هي بمثابة "مغامرة" في هذا الظرف الذي يتسم بتصاعد التهديدات الارهابية، وبوجود استقرار اجتماعي وسياسي "هش"، فاذا سقطت الحكومة الان، فانه من الصعوبة ايجاد مناخ ملائم للتفاوض حول تشكيل حكومة جديدة في هذه الاجواء المتلبدة، وفي محيط متقلب وساحة سياسية متشظية .وفي ظل تهديدات ارهابية حقيقية، اضافة الي تواصل الأزمة الاقتصادية وبالتالي فان البلاد سوف تنزلق نحو الفوضى وعدم الاستقرار.
كما أن "المجموعة" المطالبة باستقالة حكومة الصيد، لا تقدر على إسقاطها لأنها لا تمتلك النصاب البرلماني لاسقاطها، وهي غير قادرة على
.تشكيل حكومة بديلة للحكومة الحالية، خصوصا أمام مساندة حركة "النهضة" وهي الكتلة الثانية في البرلمان لحكومة الصيد
منذر بالضيافي