لقاء رئيس حركة "النهضة"، الشيخ راشد الغنوشي برئيس الدولة، الباجي قائد السبسي، أمس الثلاثاء، له أكثر من دلالة ومعنى، خاصة في علاقة بتطورات المشهد السياسي والحزبي في تونس، في علاقة بأزمة الحزب الأغلبي، حركة "نداء تونس" الذي كشفت الأحداث الأخيرة و المتسارعة على أن الحزب يسير نحو "التفكك"، ما سينجر عنه انقسام في الكتلة البرلمانية لهذا الحزب. وهو ما يجعل مما يحصل في "نداء تونس"، يتجاوز الشأن الحزبي الداخلي إلى الشأن الوطني، حيث أصبحت أزمة هذا الحزب ترمي بظلالها وتداعياتها، على الوضع العام في البلاد وخاصة الاستقرار الحكومي..
أزمة "نداء تونس"، اشتعلت أحداث في "البحيرة"، لكن كانت الأعين كلها تراقب تفاعل وتحركات "مونبليزير"، حيث المقر الرسمي لحزب "حركة النهضة"، الذي يحمله بعض النائيين مسؤولية ما يحصل في حزبهم، وهي "اتهامات" واهية كبيت العنكبوت، على اعتبار وأن الأزمة في حزب الرئيس السبسي بنيوية، وليست في حاجة الى من يشعل فتيلها من خارجه. وهي أزمة مركبة أيضا، يتداخل فيها الحزبي بالصراع حول الحكم في "القصبة" و "قرطاج". وهي ليست مجرد صراع بين شق "دستوري" وأخر "يساري"، بل هي تطال في العمق التباين حول "هوية" الحزب وتصوره للحكم و تحديدا العلاقة بالإسلاميين.
كما أن توجه الأنظار الى "النهضة"، على خلفية عملية "كسر العظام" الجارية في "البحيرة"، مرده أنها ستكون نظريا وعمليا المستفيد الأول من انقسام كتلة "النداء" في البرلمان، وما يعنيه ذلك من تحول الأغلبية البرلمانية الى حزب الشيخ الغنوشي، أو على الأقل اعلان الرئيس قائد السبسي، عن حل البرلمان والذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة، ستكون قطعا نتائجها محسومة لفائدة الاسلاميين، بوصفهم الحزب الأكثر تنظما وتماسكا، اضافة الى غياب بديل سياسي يقدم نفسه للتونسيين.
وان كانت "النهضة" في الظاهر مستفيدة من "أزمة النداء"، فان قيادتها وفي المقام الأول الشيخ راشد الغنوشي، تدرك جيدا أن البلاد في اللحظة الراهنة، في حاجة الى حزب أغلبي قوي ومتماسك، من أجل تبيت الاستقرار في البلاد الذي ما زال شها، بالنظر الى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، اضافة الى التحديات الأمنية المرتبطة بتواصل الخطر الارهابي، خاصة الداهم من ليبيا بعد تمركز "داعش" على بعد 70 كيلومتر من الحدود التونسية. كما أن الاستقرار الحكومي، لمواجهة هذه التحديات، يفترض بالضرورة دعم الحكومة الحالية، التي تمثل عنوان أساسي للتوافق خاصة بين الاسلاميين و الرئيس الباجي قائد السبسي وحزب "نداء تونس".
من هنا فان الاستقرار الهش والدعم الكبير للحكومة ولرئيسها، يقود ويوج الممارسة السياسية لحركة "النهضة"، وهو ما أكده لي الشيخ الغنوشي في لقاء حواري معه، عندما أكد أيضا على أن البلاد اليوم ما تزال في طور انتقالي، وهي في حاجة لدعم التوافق الذي جاء بحكومة الحبيب الصيد، برغم اشارته الى أن حزبه له مشاركة رمزية لا ترتقي لوزنه في البرلمان وفي المجتمع. كما أكدت لي قيادات نهضوية بارزة، منذ أشهر أن الحركة لا تخطط للاستفادة من وضع "نداء تونس" لتغيير الحكومة أو الانقلاب على التفاهمات، التي اسس لها لقاء الشيخين في باريس في صائفة 2013، الذي مثل ولا يزال الاطار المرجعي الذي قاد الحوار الوطني وما بعده وصولا الى الوضع الراهن.
وهذا ما أكد عليه، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مساء الاثنين عندما شدد على ان ليس لحركته أي برنامج لأن تكون في الحكم أو قيادته أو الانفراد به في الوقت الراهن، مشيرا إلى أنه يرى ان الوضع التونسي الراهن مناسب ليستمرّ، بما فيه من تحالف بين 4 أحزاب منها نداء تونس وحكومة تقودها شخصية وطنية مستقلة. وفي تعليقه على الازمة الحاصلة داخل حركة نداء تونس، اكتفى الغنوشي بالقول إنه يتمنى الخير والوحدة لكل الاحزاب، وإعطاء صورة جميلة عن تونس.
وعاد رئيس حركة "النهضة"، بعد لقاه أمس بالرئيس قائد السبسي ليؤكد على "ثوابت" حزبه في التعاطي مع تطورات الحراك السياسي الحالي، مؤكدا على دعم حركة النهضة الكامل لسياسة الحكومة ورئيس الجمهورية، الى جانب سعييها المتواصل لدعم مستقبل التنمية بالبلاد. كما أكد الشيخ راشد الغنوشي على أن رئيس الجمهورية متمسك بالعمل على الوحدة الوطنية في تحقيق مختلف البرامج وقناعته الراسخة بقدرة تونس على تجاوز كل العراقيل والمضي قدما في الاصلاح .
وهو ما يكشف على أن الغنوشي يريد أن يؤكد مرة أخري على "استراتيجية" التحالف التي تجمعه بالرئيس الباجي قائد السبسي، بوصفها الاطار الأمثل لتجاوز التحديات التي تستهدف وحدة المجتمع، وتواصل الدولة وحمايتها من التفكك سواء بفعل الجماعات الارهابية، أو "العنتريات" لدي هذا الطرف أو الشخص الغير مدركة لاكراهات وتحديات الوضع المحلي في علاقة بوضع اقليمي ودولي متحرك.
وكان الغنوشي، قد أكد في تصريح اعلامي أمس الثلاثاء 03 نوفمبر 2015 على اثر لقائه برئيس الجمهورية بقصر قرطاج أنه أحاط رئيس الجمهورية علما بالمقابلات التي أجراها خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، واشار ايضا انه أطلعه على المكانة التي تحضى بها تونس لدى المؤسسات الدولية ، وهذا بما يتطلب ضرورة التسريع في نسق الإصلاحات الكبرى لتحفز الحكومة و تساعدها على تطبيق و انجاح برامجها.
منذر بالضيافي