آراء

التجمع كذبة ضخمة ولا وجود له إلا في وفاء عبير موسي

 تتناقل وسائل الاتصال خبر اللقاء بين السيدين محمد الغرياني وراشد الغنوشي مفرطة في استنتاج ما لا يصحّ واقعا ولا سند له فيما هو بين أيدينا من وثائق، ذلك أن وصف التجمع الدستوري الديمقراطي بأنه حزب يحتاج إلى شيء من التدقيق.

بعد الاستقلال عرف الحزب الذي قاد معركة الاستقلال وبناء النظام الجمهوري جملة من التحوّلات والتغييرات التي كانت تستند إلى وجود الزعيم وتجد شرعيتها من شرعيته، إلا أن الأمر اختلف بعد السابع من نوفمبر حيث شهد الوطن في الثلاث سنوات الأولى انفتاحا للحزب الحاكم على جملة من الذوات وأصبح اسمه تجمعا غير أن هذا التنوع في الروافد لم يصحبه انفتاح على الكفاءات بالاستفادة من خبراتها في مواقع القرار بل صحبه انغلاق ومركزية مفرطة في مستوى اختيار القيادات الحزبية لتنحصر جميعها في يد رئيس الدولة، ويذكر الجميع أن كل القيادات المركزية والجهوية يصدر بلاغ من الرئاسة في شأنها دون أن يكون لمنتسبي التجمع رأي في ذلك، هذا الأسلوب أدى إلى ضعف الحزب وغياب الروح النضالية فيه ليصبح بذلك إدارة من بين الإدارات الكثيرة التي تؤدي ما عليها من مهام ولكنها تفتقد إلى روح المبادرة والشعور بمسؤوليتها في الدفاع عن نظام حكمها وهو الأمر الذي نلحظه في الانهيار الكامل والسريع أثناء أحداث 14 جانفي وما تبعها وهو ما لا نجد له شبيها، فالعادة أن الأحزاب التي تسقط وتخرج من الحكم تترك وراءها قادة وشخصيات ينافحون عنها وعن خياراتها، الاستثناء الكوني الوحيد مثَّلَه التجمع الذي غاب عن الساحة تماما ولم نسمع من يدافع عنه سوى الأستاذة عبير موسي ويبدو أن دفاعها عنه إنما يعود إلى طبيعتها وما تربت عليه من خلق الوفاء وعدم الغدر، ومن مهازل القيادات المعيّنة في التجمع أنها كانت تتفاخر بعدد منخرطيها الذي فاق المليوني منخرط حسبما يروّجون رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن هذا العدد ما كان له أن يُجمع لولا التصاق الحزب بالإدارة، وممّا يؤكد هذا المعنى أننا نلاحظ اليوم سعيا محموما من قبل بعض مسؤولي التجمع في العهد السابق على تأسيس الأحزاب التي تدعي وراثة الحزب الدستوري ولكنها تغفل التجمع الذي لولاه ولولا تعيين الرئيس السابق لهم فيه ما كنا لنسمع بأسمائهم، ومما زاد في الطين بلة وأدى إلى انفراط عقد التجمع أنه لم يكن الحاضنة التي من بين أفرادها يتم الاختيار إذ جرت العادة وما تقتضيه الحكمة أن تعيين المسؤولين في أجهزة الدولة يخضع لقاعدة اختيار حزبية إلا أننا خصوصا في العشر سنوات الأخيرة من حكم الرئيس ابن علي أصبحت التعيينات تتم من خارج التجمع على أساس الولاء للعائلة والتعهد لها بتقديم الخدمات وهو ما أثار لغطا مكبوتا لم يخرج إلى العلن أيامها.
والمستفاد من كل ما ذكر أن التجمع لا يمكن عدّه من بين الأحزاب التي يحسب لها اليوم حساب لأنه:
1- يفتقر إلى قيادة منتخبة تحمل فكر الحزب وسياساته وأهدافه فكل الظاهرين على الساحة اليوم معينون وفي أيام العسرة والشدة غاب جميعهم ولم نسمع إلا بعبير موسي.
2- آخر أمين عام للتجمع شارك سنة 2013 في الاحتفالات التي انتظمت بمناسبة 14 جانفي وهو اليوم الذي سقط فيه حزبه وخرج من الحكم ولا تتعجبوا من صنيعه فأنتم في تونس (الثورة).
3- ما يروِّج له البعض من وجود آلة انتخابية للتجمع وكتلة من الأصوات يسعى الكل إلى جلبها إلى صفه حتى تصوّت له كذب وافتراء لا أساس له من الصحة، فالآلة الانتخابية في النظام السابق إنما هي آلة الدولة ممثلة في وزاراتها وبلدياتها ومنظماتها الوطنية والجهوية التي تضطلع بالدور الأساسي في كل انتخابات ولا حضور للتجمع فيها إلا في وسائل الإعلام، أمّا كتلة الأصوات المتحدث عنها فهي الأخرى كذبة كبرى لأن وزارة الداخلية هي التي تضبط عددها ونسبها بما يعبّر عن رغبة الرئيس السابق ويرضيها وما يثبت هذا الذي ذهبت إليه من ضياع للبوصلة لدى هؤلاء الذين عُيِّنوا سابقا في الحزب الحاكم أن انتخابات 2014 شارك فيها المواطنون للإجابة عن سؤال وحيد هو هل أنت مع تغيير النمط المجتمعي الجمهوري أو لا؟ ولكن بعض قيادات التجمع سارعت بالقدوم من الخارج وسعت إلى تشتيت الأصوات بطرق مختلفة.
وأنا أتأمل الساحة السياسية وأشاهد ما عليه الوضع الحزبي أتذكر قولا لحفص بن غياث لما سئل عن فقه أبي حنيفة فقال: "كان أجهل الناس بما يكون وأعرفهم بما لا يكون" فلا حول ولا قوة إلا بالله.
انس الشابي