برغم تواتر المؤشرات الدالة في الداخل والخارج على تراجع تيار الإسلام السياسي، خاصة الذي يستند إلى مرجعية اخوانية، فان رئيس حركة "النهضة" الإسلامية في تونس يصارع "ضد التيار".
وذلك من خلال التأكيد على القطيعة مع "الإخوان"، وأن حركته تنتمي لما يطلق عليه "الاسلام الديمقراطي"، وأنها تحولت الى حزب مدني، مهتم بشؤون الدنيا ولم تعد تركز على ما كان يعرف ب "صراع الهوية".
أنشطة مكثفة للغنوشي في دافوس
مشاركة رئيس حركة "النهضة"، الشيخ راشد الغنوشي، يومي الأربعاء والخميس الفارط، في أشغال المنتدى الإقتصادي العالمي بسويسرا (دافوس)، تميزت بكثافة الأنشطة واللقاءات، واختلط فيها الاقتصادي بالسياسي بالديبلوماسي أيضا، كما كانت له مساهمة فكرية من خلال المشاركة في عدد من الندوات وحلقات النقاش.
يشارك الغنوشي، بصفة دورية في منتدي "دافوس"، كضيف رئيسي منذ ما بعد ثورة 14 يناير 2011، بوصفه فاعل رئيس في المشهد السياسي التونسي، سواء لما كان حزبه يمسك بالحكم (2012-2014) أو بعد انتخابات 2014 والتي أزاحت حزبه من الحكم، لكن منحته الموقع الثاني، ما جعل مشاركته في الحكم أكثر من ضرورية لتأمين الاستقرار ودعم المسار الديمقراطي الهش، مثلما أكد ذلك الرئيس الباجي قائد السبسي، في معرض دفاعه عن تشريك النهضة في الحكم.
مكانة حزب "النهضة" في المشهد التونسي، أو كحزب له مرجعية اسلامية جعلته يحظى باهتمام دولي كبير، ولعل هذا ما يفسر "الحظوة" الكبيرة لرئيسه من قبل صناع القرار خاصة في العالم الغربي، الذين يتابعون بجدية التحولات والمراجعات التي أعلن عنها حزب الغنوشي، في ظل تصاعد نمو اليمين في أمريكا وأوروبا، الذي بدأ يتوعد تيار الاسلام السياسي.
في هذا السياق الغربي، المهتم بتحولات "الاسلام السياسي"، تتنزل مشاركة راشد الغنوشي في "دافوس" تحت عنوان "زعامة دقيقة ومسؤولة"، حضور تبرز أهميته من خلال أهمية المشاركة وكذلك اللقاءات التي أجراها الرجل، "دافوس" في نسخته الـ47 عرفت مشاركة نحو ثلاثة آلاف زعيم ومسؤول سياسي واقتصادي، تناولوا بالبحث والدرس أهم القضايا العالمية.
لقاءات راشد الغنوشي في منتدى "دافوس" كانت هامة، على غرار أسماء مؤثرة في صناعة القرار سواء في بلدانهم أو على الصعيد الدولي، مثل جان ماري جيهينو المدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدوليّة، ومحمد نواز شريف الوزير الأوّل الباكستاني، و رجل الأعمال التركي عزيز زاسو، وإبراهيم بن عبد العزيز العسّاف وزير المالية السعودي، و أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني، و أوليفيي ماك ترنان مدير مركز "التفكير المستقبلي" ، و تيمو سواني وزير الخارجيّة الفنلندي الذي أشاد بالتجربة التونسيّة و قال "تونس نجحت عبر التوافق و تجربتها يجب أن تكون القاعدة و ليس الإستثناء"، و هان المفوّض الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع، وفيدريكا موغريني وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي.
التجربة التونسية والاسلام الديمقراطي
خلال كلمة له في جلسة حواريّة ضمن أشغال منتدى دافوس الإقتصادي العالمي تحت عنوان "التحدّيان المتلازمان في بناء الدولة: النموّ و الأمن"، قال راشد الغنوشي "إن الحديث عن النموّ و الأمن مرتبط إرتباطا وثيقا بالديمقراطيّة".
وتابع قائلا: " أن تونس ركّزت خلال فترة إنتقالها الديمقراطي على تكريس القواعد و المرتكزات القانونيّة للديمقراطيّة"، مشددا على "أن الإرهاب خطر محدق متجاوز للحدود ينبغي مواجهته بشكل جماعي كظاهرة عالميّة".
و أضاف "أن منابع الإرهاب ليست الإسلام بل الدكتاتوريّة و الفساد. وأشار "أنه لا مستقبل للتطرّف في تونس و أن الحل لمواجهته في المنطقة يكمن في الإسلام الديمقراطي و التنمية و أنه لا يمكن مقايضة الحريّة بالأمن لأنّها معادلة خاطئة".
في معرض تعريفه بالتجربة التونسية وخصوصيتها وامكانية الاستفادة منها في دول عربية أخري، قال رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي خلال حلقة نقاش" إنه يسعى لإقناع "الأشقّاء في ليبيا" لإطلاق مسار توافقي على شاكلة التجربة التونسية".
وأضاف الغنوشي خلال مائدة عشاء حواري حول "التحدّيات التي تواجه منطقة الشرق" ان :" الدرس الذي تعلّمناه من فشل تجارب ثورات الربيع العربي في دول مختلفة هو أن المنطقة ليست جاهزة لديمقراطيّة تنافسيّة يستطيع حزب واحد فيها الحكم بمفرده لحصوله على 51% من أصوات الناخبين".
وأكد الغنوشي قائلا: " في تونس كرّسنا شكلا من أشكال الديمقراطيّة التشاركيّة التي نبحث من خلالها على توسيع قاعدة الأغلبيّة للتركيز على بناء مؤسّسات صلبة و قويّة للجمهوريّة الثانية ولتحقيق إنتقال ديمقراطي يواجه كلّ أنواع المصاعب من الداخل والخارج".
منذر بالضيافي