لم تستقر الأوضاع في تونس أكثر من أشهر معدودة عاد خلالها نسق انتاج الفسفاط الى ما كان عليه الشأن في 2010، وعادت الروح لقطاع السياحة بمؤشرات مبشرة بموسم واعد، وانكمشت التهديدات الارهابية التي كان يخيم ظلامها على البلاد بفضل النجاحات الأمنية الناجعة، لتعود موجة التشكيك ويسود التخوف والارتباك المشهد العام.
نجاحات تحسب لحكومة يوسف الشاهد، رغم هول المسؤولية التي أخذتها على عاتقها، طبعا، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تحل هذه النجاحات، وحدها طلاسم الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي تترنح البلاد جراء ضغطها وحماها، منذ سنوات، ولا يمكن أن تكون سوى جزء فقط من برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي تستمد شرعيتها من نتائج انتخابات 2014، ولكنها تستمد مشروعيتها أيضا، من برنامج حوار وطني صادقت على عصارته، وتوافقت حوله أهم الأحزاب والمنظمات الوطنية ، ووردت نقاطه بوثيقة قرطاج التي تبقى عنوان فشل أو نجاح الحكومة الحالية.
ولأن المسؤولية جسيمة، فهي تتطلب فريقا شجاعا حاسما، متجانسا، قادرا على الفعل والمضي خطوات بجرأة نحو تنفيذ برنامج الحكومة الوطنية، الذي يتطلب في ما يتطلبه عناية أوفر بواقع التوافق حوله، فان ضخ دماء جديدة على الفريق، تكون عنوان اجماع وبمستوى المرحلة الصعبة اليوم، ونحن على مشارف انتخابات بلدية، حلا ممكنا للمضي خطوات أبعد في التنفيذ والنجاح.. فمعلوم أن فترات ما قبل كل انتخابات هي فترات صعبة تمر بها جميع الدول، وقد يذهب ضحيتها مسؤولون او يصبحوا مطايا حملات انتخابية خاصة منهم من لا يملك تاريخا سياسيا ولا تملكا لكل مرحلة تحيط به ...ومن لا اجماع حوله.
ولأنه تم الاعلان عن موعد نهائي للانتخابات البلدية، فقد أعلنت الاحزاب والتكتلات "النفير العام" صلب هياكلها و"سخنت" ماكيناتها الاعلامية والاتصالية، لترحي الأخضر واليابس في طريقها نحو يوم الاقتراع، مهما كانت تبعات ذلك الاقتصادية والاجتماعية، وهو معطى يجب التفكير في نتائجه الخطيرة... فكل حزب يطرح قضاياه من منطلق ربحه ومصلحته، وما قفز البعض على تحركات الشارع التي لم تهدأ ولم تهنأ طلبا للتنمية والشفافية ، الا دليل على السياق السياسي والانتخابي المشحون الذي تعيشه البلاد وان بانت "المواقف" مبدئية أو "بريئة" ...محايدة أو معاضدة ..متلاحمة مع صوت الشارع والجهات .
ولأن الشفافية والمصارحة، فعل في الواقع ، لا شعارات فضفاضة، فان بقاءها، في أرشيف الصحافة كتصريحات فقط وفي سجل مقرري المجالس الوزارية، له انعكاسات سلبية على صبر السواد الأعظم من المواطنين المكتوين بنار الأزمة الاقتصادية، فقد أصبحت الشفافية مطلبا ملحا من المواطنين، يطلبونه قبل التنمية والشغل احيانا ، وليس هناك من شك أن نشر الوثائق ونتائج الصفقات العمومية وواقع الاقتصاد ومؤشراته للعموم ، حتى دون مفعول رجعي، سيكون له انعكاس مباشر على استقرار الأوضاع في البلاد...فقد مل العاطلون والمهمشون الاحتجاج قبل المسؤولين وحتى المستثمرين .. ولا ضمان لهم ولمستقبلهم سوى "الشفافية" الحقيقية ..أولى لبنات المساواة في الفرص .
ولأن في هذا الوطن شركاء ومنظمات وطنية، استطاع اجتماعها حول طاولة الحوار ، تهدئة الأوضاع كلما وصلت الى عنق الزحاجة، ولأن حكومة يوسف الشاهد ولدت من رحم حوار وطني واسع ، اختل سياسيا، ولكنه حافظ على دعائمه الاجتماعية والاقتصادية، فلم لا يتواصل هذا الحوار الوطني الداعم لبرنامج الحكومة واصلاحاتها الكبرى التي تنطلق في تجسيدها ؟ ..ولم لا يتحول حوارا وطنيا اقتصاديا اجتماعيا ممأسسا، بعيدا عن حملة الأحزاب الانتخابية؟..
حوار ممأسس، يسطر حلولا انية وأخرى متوسطة المدى ويجسد الاصلاحات الاقتصادية الكبرى التي تتطلب قبل كل شيء توحيدا للجهود وتجميعا لها وشحنا ثقيلا للطاقة نحو الهدف ..ومصارحة "وطنية" تنكب جميع الأطراف الاجتماعية على تجسيدها... فقد بقيت الأحزاب سجينة حملاتها الانتخابية ومصالح "هياكلها"، وأصبحت شرا لازما ولكن لا يعول عليه في نحت مستقبل البلاد ..بعد أن سحبت دعمها لحكومة يوسف الشاهد، في أول مفترق انتخابي، وان بان العكس في بياناتها المواربة, التي تعطي وجها له..ووجها اخر ضده..!..
أيمن الزمالي