على الرغم من تمتّع المرأة التونسية بحقوق عدّة تميزها عن نظيرتها العربية، وعلى الرغم من التطوّر الذي تشهده تونس في مجال طرق المساعدة في الإنجاب، إلّأ أنّ الضوابط الاجتماعية والدينية وحتى القانونية تجعل عملية تجميد البويضات لزيادة فرص الإنجاب، محدودة جداً.
قانونياً، يُسند حق تجميد البويضات في تونس فقط لمَن يعانينَ من أمراض سرطانية، ولا يمكن أن يكون للمرأة أو الرجل خيار التمتّع بهذه التقنيات في ظلّ تأخر سن الزواج أو لرغبة في تأجيل الإنجاب أو لبلوغ بعض الفتيات سن اليأس مبكراً.
الحرمان من الأمومة
وتقول ناديا (38 سنة)، موظفة في إحدى الوزارات بتونس العاصمة، إن "القانون التونسي بتخلّفه هذا يحرمني من حقي في الأمومة بحجة العادات والتقاليد والأسباب الدينية التي دائماً تتعارض مع حقوق الإنسان".
وتضيف في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "فرصة الإنجاب أصبحت محدودة مع مرور الوقت، خصوصاً بعدم وجود أي مشروع زواج في الأفق"، معربةً عن اعتقادها بأنه من غير المنصف أن تُمنع أي إمرأة من حقها الطبيعي في الأمومة مهما كانت الأسباب.
وتواصل ناديا حديثها بنبرة فيها الكثير من الألم الممزوج بالغضب، "يريدون حرماننا من أفضل مشاعر يمكن للمرأة أن تحملها في حياتها وهي الأمومة"، داعيةً كل المنظمات الحقوقية في تونس إلى "الضغط على المشرّع من أجل تغيير القانون".
أما سلوى (42 سنة) التي تبدو عليها علامات التديّن بارتدائها الحجاب، فتقول "صحيح أني أخشى الحرام، لكن لا أعتقد أن تمكين المرأة من الأمومة أمر يرفضه الله أو يحرّمه".
وترى أن "البويضة ملك شخصي لكل امرأة، فهي عضو من أعضاء جسدها، ولها حرية التصرف فيها بشرط أن لا تلحق الضرر بأي شخص آخر".
تمنّت سلوى لو أنها تستطيع إجراء عملية تجميد البويضة لأنها لم تحظَ بعد بالزوج المناسب، وأنه مع مرور السنين لا يمكن لها الإنجاب.
ويقتصر القانون التونسي بالمساعدة في الإنجاب فقط على المتزوجين. ويمكن لهما تجميد البويضات أو المني في صورة استعمال دواء قد يعطّل عمل الجهاز التناسلي ويؤثر في الخصوبة. وفي المقابل، لا يسمح القانون للعازبات بتجميد البويضات على الرغم من أن التقنية موجودة في تونس.
ظلم الطبيعة أم القانون؟
في هذا السياق، تقول ممثلة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أحلام بن سالم في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "للأسف لم يتم العمل إلى حدّ الآن على هذا الموضوع على الرغم من أهميته على المستوى القانوني والحقوقي"، معتبرةً أن كثرة القضايا الحقوقية الموضوعة على طاولة النقاش ربما هي السبب في تأجيل هذه المسألة. ووعدت بأنهم سيعطون موضوع حقوق المرأة في مجال الإنجاب الأولوية التي يستحقها في آجال قريبة".
تواصل ناديا حديثها بنبرة فيها الكثير من الألم الممزوج بالغضب، "يريدون حرماننا من أفضل مشاعر يمكن للمرأة أن تحملها في حياتها وهي الأمومة"، داعيةً كل المنظمات الحقوقية في تونس إلى "الضغط على المشرّع من أجل تغيير القانون".
وفي اوت عام 2018، أجرى فريق طبي في مستشفى حكومي، عملية هي الأولى من نوعها في تونس وأفريقيا، تتمثل في إعادة زرع نسيج مبيض مجمّد لإمرأة ثلاثينية متزوجة أُصيبت بالسرطان. والمريضة هي أول امرأة تقبل بإجراء هذه العملية بعدما أُزيل نسيج مبيضها وجُمّد لمدة خمس سنوات، المدة التي قضتها في العلاج من مرض سرطان الغدد الليمفاوية، وهي الآن أم لطفل في الثانية من عمرها.
أما رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة تقول في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، على الرغم من محدودية النقاش حول هذا الموضوع في تونس، إلّا أنّه إضافةً إلى ظلم الطبيعة، فإن القانون التونسي ظلم المرأة، وجعل أمل الأمومة عندها يتقلّص بسبب منع تجميد بويضاتها قبل الزواج".
وتعتقد حميدة أن "هذا القانون لا يتماشى وروح الدستور التونسي الذي يضمن الحريات الفردية والجسدية، وأنه لا يوفر مبدأ المساواة في الفرص بين الرجل الذي لا يخضع لعامل العمر والمرأة التي يحدّ عمرها من فرص الإنجاب لديها".
كما أفادت بأنها "حضرت نقاشاً مستفيضاً حول موضوع تجميد البويضات، جمع أساتذة قانون واختصاصيين في طب الإنجاب، وأن أهم التحدّيات هي ضمان كل الوسائل حتى لا تتحوّل إلى تجارة مربحة وأن يحترم القانون أخلاقيات المهنة الطبية".
كما انتظم بداية الأسبوع الحالي في وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين في العاصمة، الاجتماع الأول للجنة التفكير الخاصة بقطاع المرأة من أجل تعزيز حقوقها وتدعيم المنظومة القانونية والمؤسساتية وتكريس المساواة بين الجنسين.
ولفتت وزيرة المرأة أسماء السحيري خلال هذا الاجتماع، إلى أهمية البعد التشاركي لمختلف الأطراف المتدخلة في المجال، والدور الفاعل للمجتمع المدني لمعاضدة جهود الدولة في تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، لكن هل ستنجح المنظمات الحقوقية الداعمة لحقوق المرأة في الإنجاب عبر طرق حديثة من خلال طرح هذا الموضوع وفرض تغيير القانون التونسي لصالحها؟
قطب صحي
ومع ارتفاع نسبة العقم في العالم التي بلغت 30 في المئة عند النساء و40 في المئة لدى الرجال، يأمل عددٌ كبيرٌ منهم في تحقيق حلمهم بإنجاب طفل، ومع تقدم الطب تزيد تقنية تجميد البويضات فرص الإنجاب لدى النساء، إلّا أنّ عوائق قانونية واجتماعية أخرى شرعية حالت دون ذلك.
وبحسب الاختصاصي في أمراض النساء الهادي رزيقة، فإن عملية تجميد البويضات تبدأ أولاً بتحفيز المبيض على إفراز البويضة. فيقع تجفيفها من الماء كلياً بعد الحصول عليها، ويجب أن تتم العملية في بضع دقائق بهدف المحافظة على شكل البويضة، ثم توضع في درجة حرارة منخفضة (196 درجة تحت الصفر)، وعندما ترغب المرأة لاحقاً في إنجاب أطفال، يُذاب ثلج البويضة ويصار إلى تخصيبها.
ويضيف في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن العملية تمتد بين 10 و12 يوماً وأن الأطباء في تونس نجحوا نجاحات باهرة في مثل هذه العمليات.
اختلاط الأنساب
من جهة أخرى، لم يُخفِ رزيقة امتعاضه من تأخر القانون التونسي في هذا المجال، معتقداً أن عدم الاستقرار السياسي وراء عدم نجاحهم في وضع مشروع قانون يسمح للعازبات بتجميد بويضاتهن، وذلك لحفظ حقها في الإنجاب نظراً إلى تأخر سن الزواج في تونس.
كما أفاد بأن فتح هذا المجال يجعل من تونس قطباً صحياً أفريقياً، نظراً إلى توفّر الكفاءات الطبية، ويسهم أيضاً في إدخال العملة الصعبة إلى البلاد ويساعد في تطور ميدان الصحة الإنجابية.
ويعتبر موضوع تجميد البويضات محل جدل بين رجال الدين وأطباء الاختصاص والحقوقيين. وللتعرف على الموقف الفقهي في تونس، يقول الشيخ حسن المناعي، أستاذ في إحدى الجامعات، إن "فقهاء الإسلام حرّموا عملية تجميد الأجنة والبويضات بما اتصل منها من بيع وشراء أو إيجار أرحام".
وفسّر المناعي هذا الرفض الديني بأن "هذه العملية تسبّب في اختلاط أنساب، وتؤدي إلى أمراض وراثية خطيرة"، مضيفاً أن "اعتماد هذه العمليات يُعتبر خطأ شرعياً وقانونياً واعتداء على الحرمة الإنسانية".
هدى الطرابلسي : اندبندنت عربية