أنا كامرأة، ورغم كل شيء أبقى مؤمنة حدّ النخاع بالتكافل والتضامن بين النساء لمواجهة مختلف النظم السلطوية الإستبدادية التي تتحالف دوما مع العائلة البطريركية والبنيات الطبقية والعنصرية، كي تجعل النساء خانعات لكل ما يمكن أن يقيّدهن، وأعتقد أنّ هذه المفاهيم مبدئية، وعلينا نحن النساء أن نستبسل في الدفاع عنها، ولا ننسى أن نسند بعضنا البعض دون قيد أو شرط في مسيرتنا نحو الحرية وتحقيق العدالة، مع أنّي لا أؤمن بجنس معين ولا تصنيف معيّن، أؤمن بالإنسان كيفما كان وأينما كان.
هذا التضامن بين النساء، أو ما يعبّر عنه بـ"الأختية" وهي قيمة ورابطة تجمع النسويات في نظالهن ضد التمييز والتهميش والقمع والنظام الأبوي، فحروبهن في الأخير واحدة، وانتصارتهن كذلك، ما يحفّز ويدفع الوعي الجماعي للنساء من خلال تضامنهن وتعاونهنّ وكسرا لعزلتهن وما قد يعيق تحرّرهن واكتساب حقوقهنّ، فالنساء بتضامنهنّ يقاومن العنف والتمييز البنيوي الممنهج، هذا التمييز المرسخ في الفضاء العام والخاص، هذا العنف الذي شرعنته وفرضته القوانين، وخاصة البنى السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية...
في المسلسل المصري "فاتن أمل حربي"، وهو من تأليف الكاتب والصحفي المتألق إبراهيم عيسى، ومن إخراج محمد العدل، سلّطت الأضوء من خلال معاناة بطلته التي تجسّدها نيللي كريم، على مختلف أوجه التمييز التي تتعرّض لها المرأة المصرية والعربية بصفة أعم من خلال القوانين الجامدة والضالمة والمنحازة للرجال على حساب النساء، هذه القوانين التي تتعامل مع النساء كناقصات عقل، وكغير راشدات..
ما يلفت الإنتباه أنّ المسلسل إلى جانب هذه القضايا التي يتطرّق إليها، فإنه أكّد على مفهوم التظامن بين النساء ومناصرتهنّ لبعضهن البعض، حيث فتّت ابراهيم عيسى البعض من أعمدة الذكورية بمعالجة انتصر فيها للمساواة، وفكّك البعض من أشكال وسلوكيات التمييز والعنف ضاربا بالنمطية الجندرية عرض الحائط، ولم يسوّق لصورة المرأة المنهزمة، حتى وإن كانت ضحية، ولم يتدفأ السيناريو على حطب القرون الماضية من أفكار ماضوية تستنقص من النساء وحقوقهن.. ولم يفصل عن إنسانيتهن الكرامة، وعن قلوبهن المحبّة، وعن أجسادهن الحرمة، وعن أدمغتهنالعقل، وعن غدهن الأمل.
إنّ المعالجة الفنية التي تتشبّع بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان وبدراية تامة لمكامن الخلل والتمييز ضد الأفراد وخاصة النساء في القوانين والسلوكيات المجتمعية، من شأنها أن تحدث الفرق فأي تغيير حقيقي لا بدّ أن يمرّ بالتربية والتعليم والثقافة.
المعالجة الفنية الجيدة تمنع من الترويج للسلوكيات الخطيرة والعنف، كل أنواع العنف، فالفنان المثقّف يتعامل مع الأخلاق السائدة في مجتمعه باعتبارها نسبية وهو ما يشرع عرضها على النقاش والتمحيص، ما يصبّ في صالح المجتمع نفسه..
إنّ المعالجة الفنية المبتورة، تلك التي لا تسند على مشروع فكري تساهم في تشيء النساء وتحقيرهن والاستنقاص منهن من خلال كل ما يحمل الخيال والمخيال الجمعي وكل مايُبني عليه من صورة أو سلوك ، ما يغذّي التطبيع مع العنف ومع النظرة المنقوصة للناء فيتجلى ذلك في كل مكان، في الشارع، في الأماكن العامة، والخاصة ، في مقرات العمل، وحتى في غرف النوم والمقابر.. والحوادث أثبت ذلك على مرّالتاريخ على هذه البسيطة، فالنساء أينما كن وأينما وجدن ومهما كانت ثقافتهن وثقافة مجتمعهن، يحملن هذه الصورة المنقوصة رغمًا عنهن.. لذلك فإن الطريق لإكتساب الحقوق ونيل الحريات الفردية خاصة لا تكون سهلة في المجتمعات التي تطّبع مع العنف ضد النساء خاصة من خلال المنابر الإعلامية وعلى مواقع التواصل الإجتماعي وفي الإعلانات.. وحتى في الألعاب..
إن غياب المعالجة الفنية هو المزيد من تسطيح القضايا، وردم كل نقاش فكري بين غوغاء الجماهير وفراغ اللامعنى.. فنقل الواقع بشكل ارتجالي أو حتى عشوائي بكل مرارته وانحطاطه دون معالجته فنيا، لا يمكن ان يضيف للمشاهد اي شيء، عدا تأصيل هذه الآفات الاجتماعية والأحكام الاخلاقوية..
"يجب أن نتحدّث عن رؤية محمد العدل مخرج المسلسل" والممثلين هكذا تبدأ حديثها لنا ناشطة المجتمع المدني المصرية والمخرجة السينمائية شرين طلعت، وتضيف: "بالنسبة لي، يمكن أن أصف المسلسل بالجيّد، كما أفهم أنه مباشر أي بمباشرة هذه القضايا، لأنّ قضايا النساء للأسف في مجتمعنا مسكوت عنها، وحتى ووإن كنا نعلم أنّ النساء يتعرضن للعنف ويتم اهدار حقوقهن.. ولكن لا أحد يأخذ تجاه هذا، ما أعجبني في رؤية محمد العدل أنه دفع الناس أخيرا كي تتكلّم .. دفع مؤسسات كي تتحرّك.. وهذا نتيجة لنضال مؤسسات المجتمع المدني والنسويات المصريات الذين يحاربن منذ سنين، وأستطيع أن أقول أنّ المسلسل هو أيضا تراكم لعمل هذه المؤسسات التي تنادي بالعدالة للنساء.. أعتقد تظافر جهود المسلسل والعمل النسوي بدا متكاملا لبعضه البعض في حالة بديعة من التكاملية.
سيماء المزوغي