ثقافة و فن

المسرحية الجزائرية ''تراب الجنون'' تنتفض ضد الإستعباد الغربي للشعوب الافريقية

تابع جمهور الفن الرابع ضمن المسابقة الرسمية للدورة 24 من أيام قرطاج المسرحية (2 - 10 ديسمبر 2023) العرض المسرحي الجزائري "تراب الجنون" الذي تمّ تقديمه بقاعة الريو بالعاصمة مساء أمس الأحد، وهو عمل للمسرح الجهوي محفوظ بن دهينة بولاية بشار وإخراج مختار حسين عن نص لهشام بوسهلة.

وعلى مدى 65 دقيقة تروي المسرحية التي جسّد أحداثها عشرة ممثلين، قصة مجموعة من عمال المناجم يعملون في ظروف غير إنسانية في منجم لاستخراج الفحم على ملك أحد المستوطنين الفرنسيين إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، فيجد العمال أنفسهم مجبرين على الثقة ببعضهم البعض رغم الاختلافات، والاتحاد من أجل مواجهة المصاعب والتغلّب على الشدائد.

ويقول المخرج مختار حسين متحدّثا لوكالة تونس افريقيا للأنباء عن دلالة العنوان "تراب الجنون"، إنه مستوحى من أحداث حقيقية، مضيفا: "قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان الأهالي يحفرون عن الملح وصادف أن وجدوا ترابا أسودا فحملوا منه عيّنات إلى شيخ الزاوية فقال لهم إن هذا النوع من التراب هو "تراب الجنون" وأن الجنّ يسكن هذه المناطق تحت الأرض التي تكون تربتها سوداء، إلى أن حلّ الاستعمار الفرنسي بالجزائر واكتشف المستعمر أن هذا النوع من التراب يحتوي على الفحم الحجري، ولذلك ركّز المستعمر المناجم لاستغلال الثروة الطاقية".

ويؤكّد المخرج أن هذه القصّة التي حدثت بالفعل في الجزائر ماهي إلا صورة مصغّرة عن الوضع في افريقيا حيث تعمد القوى الغربية إلى اليوم إلى نهب ثروات الأفارقة وخيراتهم مقابل استغلالهم الموحش والمفرط في العمل واستعبادهم وتفقيرهم.

ولتسليط الضوء على هذه المعاناة في مسرحية "تراب الجنون" جاء الديكور منسجما مع طبيعة الأحداث في هذا العمل، حيث حضرت فعلا دهاليز المنجم بمختلف مكوناتها من مصابيح وفؤوس وسكة حديدية وعربات لنقل الفحم الحجري. كما اعتنى المخرج بملابس الشخصيات التي بدت رثّة وبالية لتتناسب مع الفضاء حيث الأتربة والغبار يكسوان المكان.

وانسجاما مع الحالة النفسية للشخصيات وما تبدو عليه من قلق وتوتّر واضطراب وحيرة وتعب، جاءت ألوان الإضاءة داكنة ويطغى عليها اللون الأزرق، فكان يرمز إلى حالة العزلة والجمود والانغلاق والسجن الذي وُضعت فيه الشخصيات.

ويُعيد المخرج من خلال هذه المسرحية الصراع الطبقي إلى الواجهة وقُبح الآلة الاستعمارية في استغلال البشر وتجريده من إنسانيته، في إشارة إلى أن هذا الصراع لم ينتف من الوجود الإنساني وأنه مستمرّ إلى اليوم بأشكال وأساليب أخرى تمكّنه من مواصلة بسط نفوذه على القارة الإفريقية لاستغلال خيراتها وثرواتها وإدخال شعوبها في دوامة العنف والصراعات.