ثقافة و فن

مهرجان الحمامات : ''البخارة'' لصادق الطرابلسي مسرحية تعزز الوعي البيئي

 في عصر يعاني من تزايد التلوث البيئي وتأثيراته على الإنسان والطبيعة، تأتي مسرحية "البخارة" للمخرج التونسي صادق الطرابلسي كصوت يصدح عاليا منبّها من الكوارث البيئية ومخاطرها الجمة على الطبيعة والكائنات الحية، فهذه المسرحية ليست مجرد عمل فني تمثيلي فحسب، بل هي صرخة واضحة تستدعي التأمل في مدى التأثير السلبي لأفعال البشر على البيئة وصحة الإنسان.

المسرحية "البخارة" تمّ عرضها الليلة الماضية (24 جويلية) ضمن فعاليات الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي (5 جويلية - 3 أوت 2024)، وهي من إنتاج مسرح أوبرا تونس (قطب المسرح و الفنون الركحية) وأداء كلّ من رمزي عزيّز ومريم بن حسن وعلي بن سعيد وبليغ مكي وبلال سلاطنية. وفيها يُثير المخرج مشكلة التلوث البيئي الذي تعاني منه مدينة قابس، وذلك من خلال قصة استرجاع بطلها (رمزي عزيّز) لأيام طفولته عندما كان في عقده الأول من عمره، وكان يذهبُ مع والده إلى البحر في مدينة قابس (مسقط رأسه)، وينبهر بالأضواء والبخار المتصاعد في السماء وكان يتخيلها مدينةٌ ألعابٍ كبرى أو مدينة تخفي ثلوجا وجبالا. يكبر البطل وينضج وعيه، يدرك أن ذلك البخار ليس سوى ظلام يخفي "معبد الموت" وأن تلك الأضواء الكاذبة هي في الحقيقة ظلام وأن التلوث مرادف للموت.

وأثارت مسرحية "البخارة" بشكل فني وعميق مشكلة التلوث البيئي، خاصة الناجم عن الصناعات الثقيلة والمخاطر التي تشكلها على الصحة العامة والبيئة المحيطة. بطريقة مبتكرة، واستخدام الفنون المسرحية، تمكن الطرابلسي من إيصال رسالة توعوية بشأن خطورة هذا التلوث وضرورة التصدي له.
وبينت "البخارة" كيف أن التلوث البيئي هو أزمة تهدد الحياة على الكوكب، من خلال تركيزها على التأثيرات الصحية للتلوث مثل الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء والمياه، وتأثيره على التنوع البيولوجي والحياة البرية.
وتعزز المسرحية الوعي البيئي وتحث على العمل الجماعي لمواجهة هذه التحديات.
ويتعمق هذا العمل المسرحي في التأثيرات النفسية والاجتماعية لمختلف هذه التحديات، مع إبراز تأثيراتها على الصحة والاقتصاد والثقافة. ومن خلال الشخصيات والحبكة الدرامية، ينجح المخرج في تجسيد تجربة إنسانية تعكس التوترات والصراعات الناجمة عن الأزمة البيئية، مما يحفز الجمهور على التفكير في العمل الجماعي لحماية الكوكب من المخاطر التي تهدده وعلى رأسها التغيرات المناخية.
ومن الناحية الفنية المميزة لهذا العمل الذي دام عرضه 60 دقيقة، اختار الصادق الطرابلسي أسلوب المباشراتية في إثارة القضية أي دون تعقيدات أو شيفرات، فكان الخطاب واضحا للمتلقي. أما إيقاع العرض، فقد اتخذ منحى تصاعديا وصل بالمتفرج إلى حد الاختناق من عناء تتابع الأحداث، وهي سمة مقصودة في العرض ليعيش المتلقي تجربة الاختناق جراء التلوث الذي أحدثته البخارة في مدينة قابس فغيّرت شكل الحياة في المدينة من "الجنة" إلى "الجحيم" كما صورها مخرج العمل.