ثقافة و فن

وجيهة الجندوبي تسافر بجمهور مهرجان قرطاج في رحلة هزلية من كواليس السياسة و المجتمع

 إن أول ما يُلفت الانتباه لهذا العمل من الناحية الفنية هو العنوان ""بيڨ بوسا" وهو مستوحى من اللغة الأنقليزية "big boss" وتعني "المسؤول الأول في العمل" في إشارة إلى الأحداث الآتية في العرض وهو استعداد هذه الموظفة لتقلد منصب سامٍ في الدولة وهو حقيبة وزارية. ويحمل العنوان أيضا دلالات أخرى في اللهجة العامية التونسية ف "بيڨ بوسة" يمكن أن يشير أيضا إلى "القُبلة" بمقاصدها المتمثلة في المحبة والألفة والصداقة.

لقد اهتمّت وجيهة جندوبي بالجوانب الفنية المميزة لهذا العمل من سينوغرافيا وأداء الممثلة وإيقاع العرض، فراوحت مونودراما "بيڨ بوسا" بين أسلوب الخطاب المباشر وبين "التجريب"، لذلك يمكن وصفها بأنها مغامرة في جنس الكوميديا، لما توفرت عليه من كتابات ركحية جديدة وغير مألوفة بالاعتماد على مدارس وتجارب مسرحية عالمية أهمها الأمريكي "بوب ويلسون" والبريطاني "بيتر بروك"، وقد كان التركيز بالأساس على لعب الممثلة على الركح إذ تنوّع أداؤها بين فن الحكي وبين تجسيد الشخصيات والغناء والرقص.
 وقد ساعدت هذه الخصوصية في التصعيد من إيقاع العرض على مدى 110 دقائق، وهو ما ساعد على شدّ انتباه الجمهور طيلة العرض الذي اختتمته بالانتصار للوطن والإخلاص له من أجل إحداث تغيير جدي وحقيقي نحو مستقبل أفضل.
وتمتاز هذه الممثلة بقدرتها على إضفاء الحياة على شخصيتها من خلال أداء متقن يجعل من كل موقف كوميدي وسيلة لإيصال رسالة عميقة، فكان أدؤها على الركح حيويا جذب الانتباه وأثار ضحك الجمهور المتواصل، ولكن هذا الإضحاك ماهو إلا تقنية من أجل التعبير عن واقع اجتماعي مؤلم عرفته البلاد بعد الثورة، فالمؤمل من اندلاع الثورة كان تحسين الواقع الاجتماعي ومكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد وغيرها، لكن الحاصل كان استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد.
وانطلاقا من هذه الموظفة البسيطة التي تقطن في شقة بأحد الأحياء الشعبية، رسمت وجيهة جندوبي ملامح هذا التغيير المنشود، فهذه الموظفة المقترحة لحقيبة وزارية بدل الانعكاف على التفكير في خطط للإصلاح والنهوض بواقع الدولة نحو الأفضل لتحقيق الرفاه للشعب، كانت تضع خططا لتغيير حياتها الفردية واستغلال وظيفتها الجديدة لتحقيق مكاسب ومنافع ذاتية فقط. 

ولئن اهتمت القضية المحورية في مونودراما "بيڨ بوسا" بالفساد السياسي الذي نخر الدولة بعد الثورة، فإن الممثلة قد عرّجت أيضا على قضايا أخرى، فانتقدت بأسلوبها الساخر تدهور المقدرة الشرائية للمواطن والتعاطي الإعلامي مع الأحداث اليومية والقضايا الكبرى وغيرها من القضايا على غرار تفاقم ظواهر الفقر والبطالة وانحدار القيم الأخلاقية في المجتمع.
وعبّرت وجيهة جندوبي في الندوة الصحفية التي تلت العرض عن سعادتها بالنجاح الجماهيري لهذا العمل في مسرح قرطاج. وقالت إن "بيڨ بوسا" يظلّ عرضا حيا يتجدّد باستمرار مع الواقع التونسي ويتجدّد حتى من ركح إلى آخر ومن جمهور لآخر، "وهو ما دفعها إلى الاستمرار في تقديمه بطلب من الجمهور الذي سجل حضوره بكثافة في المهرجانات" رغم أنها فكرت في إنهاء عروض هذا العمل. وعن حضور مغني الراب "آرمستا" على الركح في أحد المواقف المسرحية، أفادت وجيهة أن هذا الحضور كان بطلب منها وتمّ الإعداد له سلفا.
وختمت وجيهة الجندوبي حديثها في الندوة الصحفية بالكشف عن مشاريعها المستقبلية، حيث أكدت أنها ستنطلق في إعداد عمل جديد قريبا، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل في هذا الجانب.