تصاعدت حدة الانتقادات الدولية عقب إصدار القضاء التونسي أحكامًا بالسجن بحق نحو 40 معارضًا سياسيًا وحقوقيًا وصحفيًا ورجل أعمال، في قضايا تتعلق بـ"التآمر على أمن الدولة"، مع عقوبات بلغت حتى 66 عامًا.
في افتتاحيتها الصادرة اليوم السبت 26 أفريل 2025، وصفت صحيفة لوموند الفرنسية الوضع في تونس بأنه "عصر الجنون القضائي"، معتبرة أن الأحكام "القاسية جدًا والمبنية على اتهامات خيالية" تشكل "إهانة لسمعة تونس"، التي باتت، وفق الصحيفة، "رهينة استبداد غير محدود" بقيادة الرئيس قيس سعيد.
وكتبت ''لوموند'' أن تونس تغرق في تراجع مؤسف. فمهد ''الربيع العربي'' لعام 2011، التي كانت مركزًا للعديد من الآمال بالنسبة للديمقراطيين في العالم العربي الإسلامي، تتحول منذ ثلاث سنوات إلى كاريكاتير حزين، وهو العودة إلى حكم استبدادي بلا قيود. حكم غير عادي يفرض عقوبة في محاكمة صورية أدانت، يوم السبت 19 أبريل، حوالي أربعين متهماً (نشطاء سياسيين وجمعويين، مثقفين، صحافيين، رجال أعمال) بأحكام تصل إلى ستة وستين عاماً في السجن.
وأضافت: ثقل الأحكام وانتهاك حقوق الدفاع هما إهانة لسمعة تونس. هو «جنون قضائي»، كما قال المحامي سمير ديلو، ووصمة على صورة بلد تم تكريمه جماعياً بجائزة نوبل للسلام في عام 2015 من أجل مشروعه الديمقراطي.
وشددت الصحيفة على أن الرجل الذي بنى خيال هذا ''المؤامرة'' ضد ''أمن الدولة'' ليس سوى رئيس الدولة نفسه، قيس سعيد. وذكرت أن جزءا من المدانين، وهم فاعلون سياسيون في الانتقال بعد عام 2011، لم يفعلوا سوى التفكير، بأكثر الطرق قانونية في العالم، في بديل انتخابي للسيد سعيد. ولم تكن دوافعهم سوى قلق عميق بشأن مستقبل الديمقراطية التونسية في أعقاب “الانقلاب” في يوليو 2021، الذي استحوذ فيه الرئيس سعيد، الذي تم انتخابه قبل عامين، على جميع السلطات.
وزادت:''هؤلاء المعارضون كانوا يعلمون أن المناخ العام لم يكن في صالحهم. لم يجهلوا أن ''الانقلاب'' الذي قام به قيس سعيد قد قوبل بمشاهد من الفرح. كانوا يدركون تمامًا أنه يركب موجة الرفض الشعبي لأخطاء الانتقال الديمقراطي. إذا كان الغرب قد أسقط خيالاته الرومانسية على هذا المختبر المضيء في شمال إفريقيا، فإن الشعب التونسي قد عاش بمرارة الوجه الآخر للواقع: التراجع الاجتماعي والاقتصادي، والعنف الجهادي، والشلل المؤسسي، وتزايد الفساد''.
واعتبرت الصحيفة أن ظهور قيس سعيد هو نتاج لهذا الإحباط الذي تم التقليل من عمقه خارج تونس. لكن، بدلاً من تصحيح مسار يمكن تعديله، اختار سعيد خيار ''الطاولة النظيفة''. لقد عمل على تفكيك المكتسبات الأكثر قيمة لربيع 2011 بشكل منهجي. فقد هاجم، بعناد نادر، التعددية الحزبية وحرية التعبير. وهو معادٍ للديمقراطية التمثيلية، ولا يؤمن إلا بديمقراطية مباشرة ليست سوى تزيين للسلطة الشخصية غير المحدودة. والمشروع الإصلاحي التونسي ليس سوى حقل من الخرائب.
وبحسب الصحيفة ففي مواجهة مثل هذا التخريب، يبدو أن الأوروبيين مصدومون. فقد عبّر الفرنسيون والألمان عن ''قلقهم'' بعد صدور الحكم في 19 أبريل. وإذا كان صمت طويل قد كسر، فإن الرسالة الموجهة تظل حذرة جدًا. ذلك لأن أوروبا تسعى لتجنب فخ مزدوج. ويجب عليها أن تتجنب أي اتهام بـ«التدخل»، في وقت تكون فيه الوطنيّة في أوجها. كما يجب عليها أيضًا تجنب الخلاف مع رئيس يثبت نفسه كمنفذ مخلص للاتفاقيات المتعلقة بالحد من الهجرة الموقعة مع بروكسل. لكن هل ستتمكن من الحفاظ على هذا التوجه لفترة طويلة، في ظل الحكم المتقلب للسيد سعيد الذي يضعف تونس يومًا بعد يوم وبالتالي يهدد استقرار هذه المنطقة من شمال إفريقيا؟ تتساءل الصحيفة في الأخير.
من جهته، اعتبر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن هذه الأحكام تمثل "انتكاسة خطيرة للعدالة وسيادة القانون"، منتقدًا غياب الشفافية خلال المحاكمات ومنع الصحفيين وممثلي المجتمع المدني من حضور الجلسات.