مع انطلاق موسم المهرجانات الصيفية في تونس، عادت الجماهير إلى المسارح، بحثًا عن الترفيه. لكن إلى جانب العروض والبرمجة، برزت ظاهرة لافتة في التغطيات الإعلامية، مفادها تركيز متزايد، بل مفرط على سلوكيات الجمهور، أكثر من المحتوى الفني ذاته.
مشاهد متفرّقة من حفلات فنية تحوّلت في الساعات التالية إلى "مواد إعلامية" تتصدر العناوين: فتاة ترقص، رجل يتثاءب، شاب يُغمى عليه، أو مسنّ ينام وسط العرض. صور ومقاطع تُلتقط بشكل عفوي، ثم تُقدَّم في صيغ ترويجية
مثيرة، مثل: "إغماء شاب إثر صعود فنانته المفضلة"... "رقص فتاة يشعل ركح الحفل"... "رجل ينام رغم الحماس الكبير في المدرجات"
تغطية أم تشييء للجمهور؟
رغم أن هذه المشاهد قد تكون جزءًا من الواقع الطبيعي للعروض الكبرى، إلا أن المنزلق الإعلامي يتمثل في تضخيمها وجعلها محور التغطية، على حساب العمل الفني، أداء الفنان، التنظيم، أو الرسائل الثقافية التي يحملها العرض.
هذا التحول في زاوية التغطية يثير تساؤلات مهنية وأخلاقية و يراه البعض على أنه توسيلة لإحداث التفاعل الرقمي، حتى وإن كانت على حساب خصوصية الأفراد
و اختزالا أمسية فنية كاملة في لحظة تفاعل عفوي من أحد الحاضرين، دون إذنه أو سياق واضح.
بين الحاجة إلى التفاعل وضرورة احترام المتفرج
من الطبيعي أن يسعى الإعلام إلى تقديم محتوى تفاعلي وجاذب، خاصة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي. لكن يبقى الفرق كبيرًا بين التفاعل المشروع والتطفل الممنهج. فـالجمهور ليس مادة للفرجة، بل هو أحد مكوّنات الحدث الثقافي، ومشاركته لا ينبغي أن تتحوّل إلى مادة استهلاك رقمي بلا ضوابط.
كما أن هذا الخط التحريري الجديد يطرح مخاطر أكبرمنها فرض رقابة ذاتية على الجمهور، وتجريده من تلقائيته، خوفًا من أن يتحوّل إلى "ترند" أو موضوع للسخرية العامة.
الحاجة إلى مراجعة المعايير المهنية
في ظل هذا التوجه، تُطرح الحاجة الملحة لإعادة تقييم آليات التغطية الصحفية للعروض الفنية. المطلوب ليس تجاهل الجمهور، بل احترامه. والمطلوب ليس كبح التفاعل، بل تأطيره ضمن رؤية تحريرية توازن بين الجمالية، المهنية، والاحترام الإنساني.
لأن الفن لا يكتمل دون جمهور، لكنه أيضًا لا يُختزل في ردود فعله.