''بينومي s+1'' : عزيز الجبالي يقدم عرضًا لاذعًا وساخرا أمام جمهور قرطاج
2025.07.23 13:46
ضمن فعاليات مهرجان قرطاج الدولي، قدّم فريق مسرحية "بينومي s+1" عملاً مسرحيًا مكثفًا، ساخرًا وناقدًا، نجح في كسب الرهان جماهيريًا وفنيًا، بحضور مكتمل العدد، وبمضامين جريئة تنبش في راهن المجتمع التونسي وتفكك تناقضاته.
من توقيع وإخراج عزيز الجبالي، الذي تقمّص أيضًا الدور الرئيسي "حميدو"، ضمّ العمل طاقمًا متميّزًا من الممثلين: صابر الوسلاتي، ياسمين الديماسي، فاطمة صفر، جهاد الشارني، عصام عبسي، محمد السويسي، والشيخ محمد بن حمودة كضيف شرف. أما النص فكان جماعيًا، في حين تولّى صبري العتروس السينوغرافيا.
المسرح كأداة للمساءلة
في فضاء مغلق، أقرب إلى شقة صغيرة يعيش فيها "حميدو" ـ مصمّم الأزياء المنعزل ـ تتكثّف الحكايات وتنفتح الشخصيات واحدة تلو الأخرى، في مشاهد تتأرجح بين الهزل والمرارة. بحثًا عن شريك للسكن، تتوالى على المكان شخصيات من تركيبات ثقافية ونفسية متباينة، يجلبها الوسيط العقاري الانتهازي "كلخة"، ليُغدو المكان مرآة ساخرة للمجتمع التونسي بتناقضاته وصراعاته وهشاشاته.
في زمن العرض (ساعتان وخمس وثلاثون دقيقة)، تتعدد المواضيع المطروحة بذكاء: حرية التعبير، المرسوم 54، تغوّل الصورة في وسائل التواصل، تهلهل الخطاب الثقافي، الجهويات، العنصرية، القضية الفلسطينية... كلها تُطرح دون مباشرة، من خلال كوميديا سوداء تمزج الألم بالضحك، وتعري هشاشة الفرد في مجتمع مأزوم.
الشخصيات: نقد اجتماعي مُبطّن بالسخرية
من بين أبرز المشاهد، تجلّت شخصية "مجدولين" (ياسمين الديماسي)، وهي شاعرة تُجسّد المثقف الزائف الباحث عن "اللايكات"، في نقد ذكي لمن اختزل الثقافة في عبارات سطحية مصوغة بلغة شاعرية جوفاء. كذلك، جاءت شخصية "البلدي" (جسّدها ببراعة عبد الحميد بوشناق) لتفكك بحدة مسألة التفرقة الجهوية بين "أبناء العاصمة" و"الداخل"، في حوار يبدأ بالسؤال البسيط "منين انت؟" ويتفجر إلى صراع مكبوت حول الهوية والانتماء والطبقية.
أما الممثلتان فاطمة صفر في دور "طاهرة"، وياسمين الديماسي، فقدّمتا أداءً متجددًا خاليًا من التكرار أو التنميط، مما أضفى على العرض ديناميكية أدائية ثرية. وكان لصابر الوسلاتي دور محوري في الحفاظ على تصاعدية النص وتوازن المشاهد، عبر شخصية "كلخة" التي تتحرك بين الهزل والانتهازية.
المسرح لا ينسى فلسطين
لم يغب البعد السياسي عن العرض، بل كان حاضرًا بقوة. في لحظة مؤثرة، رُفع علم فلسطين على الركح، وردّد الجمهور "تحيا فلسطين"، تأكيدًا على أن المسرح التونسي مازال وفيًّا لقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وفي الندوة الصحفية التي أعقبت العرض، صرّح عزيز الجبالي بأن المسرحية "متجذّرة في الواقع التونسي، وتتماهى مع المتغيرات السياسية والاجتماعية، لذلك تتغير بدورها من عرض إلى آخر"، مشددًا على أن المسرح لا يمكن أن يكون بمنأى عن الأحداث التي يعيشها الناس.
"بينومي s+1" عمل جماعي متكامل، لكن قوته الأساسية تكمن في فن الممثل. فالأداء التمثيلي لم يكن مجرّد تجسيد للنص، بل عملية خلق فني ساهم فيها كل ممثل من خلال نحت ملامح الشخصية ورسم أبعادها النفسية والاجتماعية. كان عزيز الجبالي حاضرًا بقوة، لكن دون أن يطغى، وأتاح لكل شخصية أن تتنفس وتأخذ حقها في الظهور والتأثير.
"بينومي s+1" ليست مجرد مسرحية كوميدية، بل تجربة فنية تمزج الذكاء بالسخرية، وتُمارس النقد الاجتماعي من دون أن تفقد جمهورها، بل على العكس، تُشركه، تُضحكه، وتُفاجئه. هي عمل يؤكد أن المسرح التونسي، حين يتحرّر من القيود ويتماهى مع نبض المجتمع، يستطيع أن يكون فنا شعبيا وجماهيريًا وفكريًا في آن واحد.