شهد قطاع الإعلام في العالم، وخصوصاً الإعلام الرقمي، منذ ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "تشات جي بي تي"، تغييرات جذرية تهدّد بقاء وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية على حدّ سواء.
الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح اليوم يختصر الوقت والجهد في البحث عن الأخبار والمعلومات، لكنه في المقابل يقضي على مصادر الزيارات الرئيسية لمواقع الأخبار عبر الإنترنت.
وفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز "بيو للأبحاث"، أصبح المستخدمون يعتمدون بشكل أقل على النقر على روابط الأخبار الأصلية، بل يكتفون بملخصات تقدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي. هذا التحول قلّص بشكل كبير من عائدات الإعلانات والاشتراكات التي كانت تشكّل الركيزة المالية لهذه المواقع.
نائب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في "بوسطن غلوب ميديا"، مات كاروليان، يتوقع أن السنوات القادمة ستكون "بالغة الصعوبة" على ناشري الصحف في مختلف أنحاء العالم. ودعا إلى ضرورة "تهيئة المؤسسات للتكيّف مع هذا الواقع الجديد، وإلا ستنهار".
على الرغم من محاولات بعض ناشري الصحف لحجب محتواهم من برامج الذكاء الاصطناعي احتجاجًا على استخراج المحتوى بدون إذن، فإن كثيرًا منهم بدأوا يعيدون فتح المواقع أمام أدوات الذكاء الاصطناعي خوفًا من فقدان الظهور والانتشار، رغم أن هذا لا يضمن استمرارية الربح.
في الوقت ذاته، بدأت شركات الإعلام تعتمد تقنيات جديدة لتحسين محركات البحث التوليدية (GEO)، لتكون أكثر توافقًا مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، بهدف الحفاظ على مكانتها في عالم رقمي متغير.
غير أن هذا التحول لا يخلو من تحديات أخلاقية وقانونية، حيث تتصاعد النزاعات بين بعض المؤسسات الإعلامية والعمالقة التقنيين مثل "غوغل" و"أوبن إيه آي" حول حقوق استخدام المحتوى.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس تقرير معهد "رويترز" لعام 2025 تحوّلًا في سلوك الجمهور، إذ إن 15% من الشباب تحت سن 25 يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي كمصدر رئيسي للأخبار، مما قد يؤدي إلى تضليل أو تشويش حول مصادر الأخبار وقيمتها.
إن غياب الصحافة الحقيقية، بجودة تقاريرها ومصداقيتها، قد يترك منصات الذكاء الاصطناعي بلا مصادر موثوقة تُلخّص منها، وهو ما يؤكد أهمية وجود صحافة مهنية قوية حتى في عصر الذكاء الاصطناعي.
في ظل هذه المتغيرات، يجب على الإعلاميين والناشرين تبنّي استراتيجيات جديدة توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وحماية مصالحهم، مع تعزيز الشراكات مع شركات التكنولوجيا لضمان توزيع عادل وشفاف للمحتوى.
الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا فقط، بل فرصة لإعادة التفكير في صناعة الإعلام، تطوير المحتوى، وتقديم الأخبار بطريقة مبتكرة وموثوقة تلبي تطلعات الجمهور في العصر الرقمي.