أثارت قناة "الحوار التونسي"،أمس الثلاثاء 26 أوت 2025، غضب التونسيين بعد إعلانها عن برنامج جديد للبحث عن شريك الحياة.
ففي الوقت الذي تعود فيه برامج الواقع والترفيه إلى الواجهة، يبدو أن آخر المنابر السياسية الحرة تُسدل عليها الستار تدريجياً، وهو ما يكشف عن تحوّل مقلق في أولويات القنوات التلفزيونية.
هذا التناقض بين محتوى ترفيهي يسعى لجذب نسب مشاهدة عالية، وواقع إعلامي يحدّ من النقاش الجاد، يُعدّ مؤشراً على أزمة عميقة في المشهد الإعلامي التونسي. فمن السياسة إلى البحث عن الحب، يمرّ الإعلام في مرحلة انتقالية غير مسبوقة.
إيقاف برنامج "بوليتيكا" على إذاعة "جوهرة أف أم" ليس حالة معزولة، بل جزء من مسار طويل لإسكات الأصوات المخالفة.
فمنذ 2021، أُغلقت برامج سياسية بارزة، مثل برنامج "Le Débat" على قناة "قرطاج+" بعد أربع حلقات فقط، مما أدى إلى تضييق دائرة النقاشات السياسية.
هذا التراجع ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة للضغوط الممارسة على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، حيث تُستخدم قوانين مثل المرسوم 54 لملاحقة الصحفيين. ونتيجة لذلك، تراجعت تونس 11 مركزاً في مؤشر حرية الصحافة
لعام 2025 الصادر عن "مراسلون بلا حدود".
هذه الضغوط خلقت مناخاً من الخوف والرقابة الذاتية، شملت ملاحقة صحفيين بارزين مثل سنية الدهماني، مراد الزغيدي، وبرهان بسيس، وتجربة زياد الهاني الذي اضطر لمغادرة برنامجه بسبب هذه الضغوط.
ولم يقتصر التراجع على البرامج السياسية، بل شمل أيضاً البرامج الثقافية والفنية الجادة، حيث تقلصت مساحة برامج النقد الأدبي والفني والمسرحي، في ظل توجّه القنوات نحو المحتوى السهل والمستهلك، مما ترك فجوة واضحة في المشهد الإعلامي وأثر على الوعي العام.
في الختام، يبدو المشهد الإعلامي التونسي وكأنه يتراجع إلى الوراء؛ فبينما تُستثمر الموارد في برامج ترفيهية، تُسدّ أبواب النقاش السياسي والثقافي، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الديمقراطية وحرية التعبير في البلاد.