ثقافة و فن

فتاة من القيروان : كتاب جديد يحكي رحلة حفيظة بن رجب لاتا

 من وراء أسوار عاصمة الأغالبة، في أربعينيات القرن الماضي، تنقل إلينا حفيظة بن رجب لاتا ذكريات عائلة قيروانية أصيلة، اختبرها الدهر بعد وفاة الجدّ، الشاعر الكبير صالح السويسي، فتضطر الأسرة إلى كسب رزقها من غزل الصوف وصناعة الزرابي الفريدة التي تبيعها في السوق. ومن هنا تبدأ رحلة حياة مشوقة لعدد من أفراد العائلة، بما فيها من متاعب الدنيا، والزواج التقليدي، والسعي وراء الأمل، والصراع على التركة، وغيرها من صروف الزمان… هكذا بدأت حفيظة بن رجب لاتا سرد قصة حياتها في كتابها الجديد المشوّق بعنوان "فتاة من القيروان" الصادر عن دار ليدرز.

ومنذ طفولتها، أدركت حفيظة أنّ الطريق الوحيد للخروج من هذه المعاناة هو التمسك بالدراسة، فنجحت وتفوقت، وحصلت على الباكالوريا، لتكون من أوائل الفتيات المقبولات في المدرسة الوطنية للإدارة بعد الاستقلال.
كان الانتقال من القيروان إلى العاصمة نقطة تحول كبيرة في حياتها، حيث اكتشفت متعة التعرف على طلاب مثلها وشباب من دول مختلفة جاءوا للعمل في تونس ضمن المنظمات الدولية والمراكز الثقافية والبعثات الدبلوماسية. وقد اندمجت بسهولة في هذه البيئة بفضل شخصيتها المتميزة وذكائها، وتخرجت بنجاح من المدرسة الوطنية للإدارة لتعمل بوزارة الشؤون الثقافية والأخبار، حيث استنجبها الوزير الأستاذ الشاذلي القليبي وأدرجها ضمن ديوانه.
أحبت حفيظة عملها وتألّقت فيه، كما استمتعت بعالمها الجديد المليء باللقاءات والصداقات، وتعرفت على العديد من الدبلوماسيين الأجانب، وخاصة الملحقين الثقافيين. وفي هذا الجو التقت بالشاب الوسيم دافيد لاتا، ممثل المجلس الثقافي البريطاني في تونس، من أصل أسكتلندي، وتوطدت العلاقة بينهما لتتحول إلى حب عميق تكلّل بالزواج.
ومع انتهاء مهمة زوجها في تونس، رافقته حفيظة في رحلاته عبر ستة بلدان مختلفة، من باكستان إلى دار السلام، مع فترات توقف بلندن. وبفضل قدرتها الفائقة على التأقلم وكسب الصداقات وإطلاق المشاريع الاجتماعية، جعلت من كل بلد تزوره موطناً لها، تندمج فيه، تتعرف على تراثه، وتترك أثرها الطيب في نفوس الناس.
وبعد تقاعد زوجها وعودتها للاستقرار في المملكة المتحدة، واصلت حفيظة نشاطها وحيويتها عبر المشاركة في الجمعيات والمراكز الثقافية، وتنظيم المهرجانات والاحتفالات المحلية، مستغلة هذه الفرص لتعريف الناس بتونس وتراثها وأكلاتها. وقد أصدرت كتابين باللغة الإنجليزية، الأول عن تاريخ تونس، والثاني عن مأكولاتها.
وفي تقديمها للكتاب، كتبت الأستاذة أنيسة البراق: "سوف تستمتعون كثيراً وتستفيدون أيضاً من هذه الشهادات الصادقة حول مسيرة تحرر المرأة وإرادتها، ومن خلالها ستتعرفون على حقبة مليئة بالتحولات العميقة في تونس والعالم."
إنها سيرة ذاتية رائعة، جاءت بأسلوب قصصي شيّق يشد القارئ، ويكشف شخصية فتاة ذات عزيمة قوية، استطاعت أن تشق طريقها من وراء أسوار القيروان إلى أرجاء العالم، وأن تصنع سعادتها وسعادة أسرتها، وتحوّل كل دقيقة من حياتها إلى فرح وهناء.