كشف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في دراسة حديثة أنّ الاقتصاد التونسي يعيش منذ عقود بطئًا هيكليًا تُكبّله هيمنة الاقتصاد الريعي، الذي اعتبره أحد أهمّ العقبات أمام النمو والتوزيع العادل للثروة.
وجاء في المذكرة الصادرة بتاريخ 3 نوفمبر 2025 تحت عنوان سياسة مكافحة الاقتصاد الريعي في تونس، أنّ أكثر من نصف القطاعات الاقتصادية في البلاد ما تزال خاضعة لقيود تعرقل النفاذ إلى السوق، مما يحول دون دخول منافسين جدد ويحدّ من ديناميكية ريادة الأعمال.
ووفق تقديرات المعهد، فإنّ هذه الوضعية تُفقد الاقتصاد نحو 5% من إنتاجيته سنويًا، وتحرم تونس من خلق ما يقارب 50 ألف موطن شغل جديد كل عام.
وأوضحت الدراسة أنّ الاقتصاد الريعي يتمثل في سيطرة مجموعات محدودة على الثروة بفضل الامتيازات الاحتكارية ورخص التوريد والانتفاع بالدعم والقروض التفضيلية، إضافة إلى التعقيدات الإدارية التي تغذي المحسوبية وتخنق المنافسة، مما يؤدي إلى انكماش الاستثمار المنتج وتراجع الابتكار وتفاقم الفوارق الاجتماعية.
وحذّر المعهد من أنّ استمرار هذه الممارسات قد يفضي إلى تعميق الهوّة الاقتصادية والاجتماعية، وإلى إضعاف جاذبية الاستثمار الخاص وسوق الشغل، معتبرًا أنّ الاقتصاد الريعي “يحوّل الثروة إلى يد أقلية ضيّقة على حساب الأغلبية”.
وفي مواجهة هذا الواقع، دعا المعهد إلى إصلاحات هيكلية جريئة تهدف إلى كسر دوائر الاحتكار وتعزيز المنافسة وتحسين الحوكمة الاقتصادية، مع حماية الطبقة الوسطى وتحفيز الابتكار والنمو الشامل والمستدام.
ومن أبرز التوصيات التي طرحها:
- تعزيز المنافسة الحقيقية عبر دعم استقلالية مجلس المنافسة ومراجعة تنظيم القطاعات الاقتصادية، لإلغاء الحماية المفرطة لمجموعات المصالح ومنع الاستثناءات القانونية.
- فتح الأسواق أمام الوافدين الجدد من خلال تبسيط التراخيص والامتيازات، ومكافحة المحاباة والفساد الإداري بآليات تدقيق مستقلة.
- تسهيل نفاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى التمويل، وتحديد معايير شفافة للمشاركة في الصفقات العمومية.
- إعادة هيكلة النظام الجبائي لتحقيق العدالة الضريبية عبر حذف الضرائب غير المبررة، وتعزيز التدرج في الضريبة على الدخل، ورقمنة المعطيات للحد من التهرب الجبائي.
- توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مع تبسيط التشريعات وإنشاء بوابة رقمية موحدة لتسريع بعث المؤسسات.
تحسين الشفافية الاقتصادية بنشر البيانات العمومية وقائمات المستفيدين من اللزمات والصفقات، وتشكيل هيئات رقابية متعددة الأطراف.
-إصلاح النظام البنكي والإدارة العمومية عبر رقمنة المعاملات وتطوير آليات تمويل المؤسسات الناشئة.
- إصلاح منظومة الأراضي بفرض ضرائب تصاعدية على الأراضي غير المستغلة ومقاومة المضاربة العقارية.
- تكريس الشفافية في الانتدابات العمومية ومقاومة الريع في سوق الشغل.
وختم المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالقول إنّ مكافحة الاقتصاد الريعي ليست مجرّد خيار اقتصادي بل مشروع وطني متكامل، يتطلّب تضافر جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، مؤكّدًا أنّ نجاح الإصلاحات لن يتحقق إلا بإرادة سياسية حقيقية واستمرارية في التنفيذ.