كتب- منذر بالضيافي
كشفت الأزمة السياسية الأخيرة في حزب "نداء تونس"، أنها لا تتم على أساس أوخلفية وجود تباين في الخيارات والبرامج بين الحساسيات، بقدر ما هي "حرب" معلنة – وبكل الوسائل - هدفها وجود استراتيجيات مختلفة حول "التموقع" المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات المشكلة لهذه الحركة. وهو ما تفطن له رئيس الحزب، فتحرك بقوة لمحاصرته. فما هي دوافعه في ذلك؟ وما مدى قدرته على تجاوز الخلافات مع المحافظة على وحدة وتنوع الحزب؟ وهل سيستمر المشروع الذي يرى فيه البعض "حلما"؟
برز الصراع داخل النداء للسطح، بعد سقوط التنصيص على ما يعرف بإقصاء الشخصيات والرموز السياسية، التي عملت مع نظام بن علي، والتي ينشط الكثير منها داخل "النداء"، بل أن الأمين العام السابق للتجمع المنحل، يشغل خطة هامة في الحزب –مستشار لدي رئيس الحزب الباجي قائد السبسي-. واللافت للانتباه كون هذا الصراع قد أخذ بعدا يهدد باستمرار بنية الحزب ووحدته، كما تجاوز حدود ما يعرف ب "الانضباط الحزبي"، وهي تعد من أهم شروط العمل الحزبي، بل هي دعامته الأولى.
السبسي والأزمة .."صرامة" في "لين"
ما جعل الخلافات تنقل من اطار الهياكل والمؤسسات الحزبية الى وسائل الاعلام ووفق خطاب يتصف بالحدة وينذر بالقطيعة وحتى "الانتحار" – والعبارة للمدير التنفيذي رضا بلحاج -. ولعل هذا ما دفع رئيس الحزب الى اختيار الظهور الاعلامي ومخاطبة "خصومه" من على المنبر الذي اختاروه –الميديا-. فكان حاسما ولينا في ذات الوقت، تبين الحسم من خلال رفضه لجوء البعض لنشر الغسيل الحزبي خارج البيت، ما جعله يتوعدهم عبر الدعوة الى مؤتمر تأسيسي، سيكون مناسبة لاقصائهم بشكل ديمقراطي. لكنه في المقابل ترك يده ممدودة لكل من يعلن "التوبة" ويعود الى رشده، حينما ذكر بأن مؤتمر 15 جوان القادم سوف لن يكون اطار للاقصاء، وأن القيادة القادمة ستكون ممثلة لكل التيارات التي تشق الحركة، وان نتائجه لن يكون فيها غالبا أو مغلوبا. وأن عملية "التعديل" سيقوم بها هو نفسه، أيا كانت نتائج المؤتمر. وهو هنا يذكر الجميع بأنه هو من يمسك بكل الورقات، واليه الكلمة الفصل بوصفه المؤسس وحامل المشروع بل مرشده، ما يجعل صوته مسموعا وكلمته أوامر.
"النداء" هو الباجي..والباجي هو "النداء"
خطاب الباجي الأخير –على قناة نسمة- استحضر فيه كل الانتظارات التي صاحبت ميلاد وتطور حركة "نداء تونس" وخاصة كونه مثل أملا لدى شرائح واسعة لاعادة التوازن للمشهد السياسي والحزبي الذي كشفت عنه نتائج انتخابات 23 أكتوبر2011. وذللك من خلال تفاعله مع الرسالة التي توجه بها له عدد من المثقفين والجامعيين، الذين طالبوه بالحفاظ على "الأمل" وفي نفس الوقت طالبوا بتسيير ديمقراطي داخل هياكل الحزب ومؤسساته وتجنب اعادة انتاج الممارسات التي ميزت العمل الحزبي –خاصة الحزب الحاكم- خلال ما قبل 14 جانفي. فكان رده: الذهاب الى انجاز مؤتمر، واختيار قيادة منتخبة يكون للأقلية وللتنوع موقع فيها، اضافة الى تأكيده على أن حيوية المشروع ورسالته ما تزال مستمرة، وأنه هو الضامن لاستمراريتها. وان رأي البعض أن ما ذهب اليه السبسي هو من نوع "الديمقارطية المسؤولة" التي عانت منها البلاد في السابق، فان أنصاره يرون أن مرحلة التأسيس تقتضي التدرج و "المرحلية" –التي هي قناعة ورثها الباجي عن معلمه وملهمه الرئيس بورقيبة-.
تتأكد شرعية السبسي لا من التأسيس فقط بل في البناء والانتشار التي عرفها الحزب، فقد استطاع حزب "نداء تونس" بزعامة السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي، خلال فترة قصيرة من تأسيسه إحداث هزة داخل المشهد السياسي والخارطة الحزبية. اذ تمكن وفي مرحلة أولي من إحداث التوازن الحزبي. الذي بينت نتائج انتخابات التأسيسي أنه غير متوازن بل مختل لفائدة حزب النهضة الإسلامي. وهذا ما كشفت عنه كل عمليات سبر الآراء، التي أعطت تقدما لحزب "حركة نداء تونس" في نوايا التصويت، سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، من خلال تقدم كبير لزعيمه ومؤسسه الباجي قائد السبسي على كل بقية زعماء الأحزاب الأخرى بما فيها حركة النهضة. التي لا تمتلك مرشحا للرئاسيات قادر على منافسة السبسي.
ففي ظرف وجيز، تمكن حزب قائد السبسي – هذا ليس اعلاء للشخص أو بحث عن صنمية جديدة بل هو وصف لما حدث في الواقع- من التحول لحزب جماهيري، بل لا نبالغ بكونه أصبح يعد بمثابة "ظاهرة سياسية". وقد استفاد من شخصية وكاريزمية مؤسسه، الذي بحظي برأسمال رمزي هام لدي التونسيين. من خلال تشبهه ببورقيبة –فكرا وممارسة- وكذلك حسن إدارته للمرحلة الانتقالية الأولى، ووصوله إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وتسليم السلطة بطريقة سلسة وغير مسبوقة في البيئة العربية الإسلامية.
مشروع بديل لا مجرد حزب
يواصل السبسي الى اليوم تقديم حزبه على أنه حامل لمشروع بديل، وأنه ليس مجردحزب سياسي، وفي ذلك رسالة طمأنة الى القوى التي ساندته، اضافة الى كونه خطاب انتخابي للتونسيين الذين وجدوا في خطاب "سي الباجي" -كما يحلوا للتونسيين مناداته- ، وحضوره وأدائه السياسي بديل لحكم الاسلاميين ولمشروعهم المجتمعي الذي يلاقي رفضا مجتمعيا ونخبويا كبيرين. خاصة وأنه وجد مساندة قوية من قبل النخب والطبقة الوسطي التي لا يلتقي نمط عيشها ولا تطلعاتها مع "المشروع الاسلامي". ما جعل نداء تونس يتحول إلى حاضن سياسي، لكل متمسك بالنمط المجتمعي الحداثي الذي ميز تونس تاريخيا. ليمثل بذلك خطوة جدية في اتجاه إحداث التوازن السياسي في مرحلة أولي. ثم ينتقل وفي مرحلة ثانية إلى الاستعداد للمنافسة على السلطة. وذلك عبر تكوين جبهة سياسية واسعة، تمثلت في "الاتحاد من أجل تونس"، ثم "جبهة الإنقاذ الوطني" بعد استشهاد النائب محمد البراهمي. ما جعل من حزب الباجي قائد السبسي يخطط لتجاوز مجرد الرغبة في إحداث التوازن في الخارطة الحزبية إلى تقديم نفسه كبديل للنهضة ولتيار الاسلام السياسي.
من خلال خطابه السياسي وانتشاره التنظيمي في الجهات برز حزب نداء تونس كخصم سياسي لحزب النهضة. وبرغم سعي الإسلاميين إلى التشكيك في هذا الحزب وفي رموزه وفي تعدد مرجعياته الفكرية وخاصة اتهامه بكونه مجرد "رسكلة لنفايات التجمع". فان نداء تونس –خاصة الباجي- اختار سياسة هجومية وليست دفاعية. برزت من خلال إعلان قائد السبسي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. في حركة سياسية استباقية لنية خصومه إقصائه من الحياة السياسية سواء من خلال ما يسمي بقانون تحصين الثورة، أو وضع سقف عمري يحدد الترشح للرئاسة. وهنا أحرج خصومه من جهة، وبين أنه يمتلك المبادرة السياسية من جهة أخري. وهو ما مثل مقدمة لنقد الحزب الحاكم انذاك –النهضة-، و إظهاره بمظهر الحزب الساعي إلى تأبيد وجوده في السلطة. خاصة أمام البطء الغير مبرر في وضع خارطة طريق سياسية وانتخابية لإنهاء المرحلة الانتقالية. والذي ترافق مع وجود سياسات تهدف إلى الاستيلاء على مفاصل الدولة، عبر تعيينات تخضع للولاء الحزبي لا الكفاءة.
كما استطاع حزب نداء تونس توظيف أخطاء النهضة سواء في الحكم أو في العمل الحزبي والعام، خاصة أنها تفتقد للكفاءة والتجربة، إضافة إلى الوضع الموضوعي الصعب. ما مكنه من التحرك نحو وضع خصومه في الزاوية سياسيا وشعبيا في مقدمة للتمهيد لعزلههم. وهو خطر أدركته حركة النهضة جيدا. بسبب تراجع شعبيتها في المقام الأول، وتعدد الأخطاء في الحكم ...ما ساهم في توسيع أزمة الثقة بينها وبين قطاعات واسعة من التونسيين. وضع تلقفه جيدا خصومها السياسييين. من خلال قيام جبهة معارضة، كان نداء تونس رافعتها الأساسية، وما كان لها أن تنجح بدونه. وما زال الحزب يعمل من أجل التسريع بانهاء المرحلة الانتقالية، والعمل على تنفيذ مهمات عاجلة، تتمثّل أساسًا في التصدّي للعنف والإرهاب، وخلق مناخٍ سليم للعمل السياسي والميداني، مع الدّفع لضمان شُروط شفافيّة الإنتخابات القادمة.
مهنياً: يتحدث هذا اليوم عن أوضاع مهنية متينة وممتازة، وما بدأت به قابل للاستمرار والتطوّر إذا واظبت عليه بجدك ونشاطك المعهودين
عاطفياً: غيمة سوداء قد تؤثر في علاقتك بالحبيب لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها وأفضل مما كانت سابقاً
صحياً: إذا رغبت في تحسين وضعك الصحي، عليك أن تبذل جهداً أكبر في المستقبل القريب لتقطف ثمار ذلك لاحقاً