آراء

الفلـــسطينيون و كــــارثة اللــــغة

كتب – باسل ترجمان
عادت الأوضاع في فلسطين لواجهة الأحداث مع تبخر أوهام السلام بعد عشرين عاما من مفاوضات لم تحقق شيء يذكر.
فشلت المفاوضات وعاد ستار الصمت والنسيان يلقي بظلاله على الحالة الفلسطينية التي انتظرت عشر سنوات جديدة من التفاوض لتصل للنتيجة نفسها، أن إسرائيل تريد بقاء الحال على ما هو عليه وأقصى الحلم حكم ذاتي محدود تحت الاحتلال وصورة دولة عبثية أمام العالم لتجميل ذلك .
انفجار الأوضاع كان قضية وقت، والحدث أنتظر شرارة انطلاقه مع اختطاف المستوطنين للطفل محمد أبو خضير وقتله حرقاً في القدس.
موت محمد حرقاً لم يحرك غضب الشارع العربي والعالمي كما حركت صور مقتل محمد الدرة العالم، ربما لان الصورة لم تسجل الجريمة بكل وحشيتها، لكن الحالة بعد ربيع الخراب العربي، و الانقسام بين غزة و الضفة، والإصرار على المفاوضات نهجا لا رجعة عنه، أفقد الفلسطينيين الكثير من التعاطف، ووضعهم في مواجهة المحتل وحيدين.
الحراك الشعبي الذي بدأ يتمدد في الأراضي الفلسطينية مبشرا بانتفاضة جديدة، والتي لا تملك لليوم قيادة أو زعماء بل تنتج من أرض الواقع قياداتها المحلية وتواجه الاحتلال وتقود المواجهات حسب الظروف.
في تاريخ النضال الفلسطيني كانت تجارب الفصائل الفلسطينية مميزة في التعامل مع اللغة، ربما كثرة الكلمات، وعاطفيتها الشعرية ألقت بثقلها على خطابات المتحدثين بإسم النضال الفلسطيني على امتداد تاريخه والذين أرغوا وأزبدوا هددوا بكل المناسبات وبدونها ليشكلوا حالة شعرية انقلبت لإحباط شعبي فلسطيني وضياع لوهج العمل النضالي لدى مؤيدي عدالة النضال الفلسطيني .
شاعرية اللغة وتدفق الكلمات انعكست على الجميع في الشارع الفلسطيني قيادة و جماهير، وهستيريا حب الظهور تشكل حالة نادرة، ويصعب فهم ظهور مجموعة ملثمه ومسلحة أمام الكاميرا لتلقي ببيان عسكري يهدد إسرائيل بنهاية قادمة في لحظات .
قبل أن يفكر المقاتلون الملثمون في مواجهة العدو يفكرون في الظهور الإعلامي ومصائب اللغة التي تهدد بزلزال مدمر يدك تل أبيب تلقي بكوارثها في العقل الفلسطيني المحبط من جرائم الاحتلال.
العبث البطولي في الخطاب والبيانات العسكرية والسياسية الفلسطينية ظاهرة خطيرة ففي كل عودة للمواجهة مع المحتل تعود صناعة وتجارة البيانات والتصريحات لتضرب عمق الحلم بأن تحقق هذه المواجهة شيء أخر غير الهزيمة .
يتحرك الوضع الفلسطيني باتجاه صدام قادم مع محتل لا يملك سوى التطرف رؤية وسبيلاً للتعامل مع الفلسطينيين ، والخوف أن يعود تجار اللغة وبيانات البطولات الزائفة والكذب الإعلامي عشاق شاشات التلفزيون المهددين بتدمير إسرائيل وهدم المعبد ليشكلوا مرة أخرى حلقة جديدة في نكبات الفلسطينيين كما كانوا دائماً .
الفلسطينيون يدخلون مرحلة بالغة الصعوبة في نضالهم ، والصدام القادم سيوجد تغييراً كبيراً في شكل الصراع مع إسرائيل ، والأخطاء القاتلة التي ارتكبوها في انتفاضة الأقصى ستجرهم لها إسرائيل مرة اخرى ، لأنها فهمت الطبيعية العاطفية التي يعيشها الفلسطيني في حلم الحرية، والهروب من الفخ الإسرائيلي يحتاج للجم بطولات الوهم وحروب البيانات و الخطب، والنظر فقط كيف يواجهون على الأرض إسرائيل وليس كيف يشاركون جبهة ''فرابندو مارتي'' نضالها ضد الإمبريالية في أميركا اللاتينية .