آراء

بين قائد السبسي والغنوشي: نحو بناء الثقة بين الدساترة والاسلاميين

كتب- منذر بالضيافي
منذ اللقاء الباريسي، في صائفة 2013 بين زعيمي "نداء تونس" و "النهضة"، الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، بدأ المشهد السياسي التونسي، المتسم برماله المتحركة، بسبب حدة الاستقطاب بين الإسلاميين من جهة وخصومهم من جهة أخرى – لا أفضل استعمال الديمقراطيين أو العلمانيين - يضبط "إيقاعه" على مواقف الرجلين.
أهم ما يحسب للقاء باريس، هو كونه جاء ليكسر "الحاجز النفسي" في المقام الأول، ثم ليدشن لبداية علاقة جديدة، بين أهم فاعلين في الساحة السياسية. علاقة أريد لها من البداية أن تقوم على "الثقة". خصوصا وأن البلاد حينها كانت تعاني من وجود حالة "أزمة ثقة"، وهو ما تم التأسيس لتجاوزه، برغم أن العقبات كانت وما تزال كثيرة، وأن ثقل تركة الماضي أثقل.
من يومها، تعددت اللقاءات بين الشيخين، سواء بصفة علنية من خلال جلسات الحوار الوطني، الذي جنب البلاد الذهاب نحو المجهول. أو من خلال اللقاءات الثنائية، وأخرها تم عشية الاثنين الماضي، وهو ما أكدته لنا مصادر مطلعة.
التي أكدت أيضا، على أن اللقاء تم في اطار "حميمي"، وكان عنوانه ضرورة تأكيد "الثقة"، وهو ما اتفق بل ما تعاهدا عليه الرجلين، وفق تأكيدات مصادرنا. التي أوضحت على أن "الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي أصبحت تجمع بينهما مودة متبادلة" وأن "الثقة" ستكون معيار التعامل بينهما في المرحلة القادمة.
الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب، مثلت أول مناسبة لاختبار مدى التزام الرجلين ب "العهد" الذي اتفقا عليه. ويمكن القول بأن هناك التزام بالاتفاقات، ترجم من خلال دعم كتلة "نداء تونس" لمرشح "النهضة" عبد الفتاح مورو، الذي أنتخب نائب أول لرئيس المجلس النيابي.
كما بعث انتخاب مورو، برسالة ايجابية من الحزبين الرئيسيين، اللذان يسيطران على المشهد السياسي. مفادها التأكيد على أن هناك إرادة سياسية تتسم بالواقعية السياسية في ادارة المرحلة القادمة، التي يجمع كل الفاعلين على أنها تفترض "وحدة وطنية"، أو ما أصبح يعرف في الحياة السياسية ب "التوافق الواسع".
وبناء على ما حصل أمس في رحاب مجلس نواب الشعب، فان صورة وشكل وتركيبة الحكم القادم أصبحت واضحة. ونعني هنا بالخصوص الرئاسيات القادمة، حيث بات من المؤكد أن الطريق أمام الباجي قائد السبسي الى قصر قرطاج، أصبح معبدا. وان ما حصل من تفاهمات بين "النداء" و"النهضة"، لم يعد في دائرة التخمينات أو ما يمكن أن نطلق عليه ب "الطبخة" التي أعدت في جنح الظلام.
كشف انتخاب مورو، كنائب أول لرئيس مجلس نواب الشعب، عن وجود "حزمة" كاملة تم الاتفاق عليها بين البحيرة ومونبليزير. وهو انتخاب رأي القيادي في "نداء تونس" عادل الشاوش أنه يفسر "بثلاثة اسباب، فمورو اقدر من الذين نافسوه على القيام بالمهام المناطة بعهدة النائب الاول، ثم انه ينتمي للكتلة الثانية في البرلمان، و اخيرا سيكون لهذا الاختيار اثر ايجابي علي مستقبل البلاد واستقرارها".
بما يعني أن موقف حركة "النهضة" من الدور الثاني للرئاسيات سيكون على خلاف ما حصل في الدور الأول. وأن الحركة قررت النأي بنفسها عن المرشح المنصف المرزوقي، الذي بدأ يفقد الكثير من حظوظه في منافسة قائد السبسي، الذي نلاحظ أنه أصبح يحظى بإجماع وطني، وبإجماع شعبي وسياسي.
وعلى خلاف التصورات والمواقف التي صدرت بعد تصويت النهضويين للمرزوقي في الدور الأول، والتي ذهبت الى أن "قواعد النهضة منفلتة". نشير الى أن قواعد النهضة وخاصة النواة الصلبة لهذه القواعد وهي الأغلبية، ما تزال ترتهن بأمر "الشيخ الغنوشي"، وبأمر "التنظيم" الذي أعطته البيعة وقسمت على القران، على طاعته في السراء والضراء. وهذا ما يميز قواعد الجماعات الدينية عن الأحزاب.
وهذا ما يفسر بروز دعوات من قيادات نهضوية وسطى –كمرحلة أولى- لمقاطعة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وهي دعوات تتقاطع مع ما حصل في الجلسة الافتتاحية المفتوحة لمجلس نواب الشعب، وفيها اشارة واضحة عن حصول طلاق بالثلاث بين النهضة والمرزوقي، و أن "شعب النهضة" لن يدعم المرزوقي في الدور الثاني، وفي هذه الحالة سيمر السبسي بتفويض شعبي مهم، وهذا ما اتفق عليه الشيخان.
وهو ما دفع عدنان منصر رئيس حملة المرزوقي، للحديث عن "غدر" ، اذ كتب في تدوينة فايسبوكية ما يلي: "سؤال إلى الذين وعدونا بأنهم سيكونون، وهم يساندون النظام القديم العائد، أفضل من يقاوم تغول الحزب الواحد والشخص الواحد وأنهم سيحمون الدستور وأحكامه: ما هو شعوركم اليوم بعد أول جلسة للبرلمان المنتخب وبعد متابعتكم لسلوك من أدمن دوس الديمقراطية وخرق الدستور ؟ داس عليها بحضوركم ومباركتم، وخرق الدستور مجددا وأنتم صامتون. ها أنتم تعلموننا مرة أخرى كيف نثق بكم ".
هنا، ماذا سيكون سؤال منصر، بعد أن تابع جلسة أمس الخميس، التي كشفت عن المستور، في اعلان صريح عن كون المرزوقي، هو أكبر ضحايا التقارب بين الغنوشي والسبسي.