تكاثر الإشاعات والإرتباك في الساحة السياسية مع إقتراب موعد الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية يميز الحال في تونس، خاصة والدور الثاني سيكون مواجهة مكشوفة بين نداء تونس وحركة النهضة المستمرة في الإيحاء غير الموفق بحياديتها وابتعادها عن دعم أحد المرشحين.
غياب الحوار بين أطراف المشهد السياسي عمق شعبوية الخطاب، وزاد فيها عودة الوهم لكثير من الأطراف التي خسرت كأحزاب في الانتخابات التشريعية ومرشحين في الانتخابات الرئاسية بقدرتها على لعب أدوار تساهم في تغيير المشهد السياسي وقلب المعادلة، ووصل الأمر بحزب نال في الانتخابات التي جرت بشقيها أقل من واحد بالمئة من الأصوات أن يعلن انه سيقطع الطريف على عودة الإستبداد رغم أن الجميع يعلم بعجزه عن قطع مسلك فلاحي.
التسريبات والإشاعات وغياب المعلومة دفع بالتحليلات لأقصى درجة ممكنة من الخيال، وتوقعات نتائج اجتماعات مجلس شورى حركة النهضة ومحاولة تحديد موقفه من الدور الثاني للانتخابات وأين ستصطف الحركة بعد وقوفها على الحياد المطلق كما يقول قادتها في الدور الأول.
الحديث عن الخلافات داخل اجتماع مجلس شورى النهضة دفعت بالبعض للتلميح عن تهديد زعيمها راشد الغنوشي بالاستقالة في حال اختارت الحركة دعم أحد المرشحين على حساب الأخر، وهذا التهديد دفع للحديث عن سيناريوهات ما بعد الغنوشي الذي قد يعتزل السياسة ويترك النهضة مرة واحدة واخيرة.
بيان النهضة المصر على حيادها يؤكد أن من يعتقد تغييرا في موقفها واهم، وما قامت به في الدور الأول من الانتخابات ستعيد تكراره بأكثر حزم وأصرار.
الحديث عن استقالة الغنوشي يطرح تساؤلات في العمق الفكري والسياسي للحركة التي كان قسم الولاء لها يتم بعد وضع اليد على المصحف، والولاء للمرشد أو الزعيم أمر لا يقبل النقاش، وحركة النهضة لاتخرج عن هذه الفكرة التي شكلت الأساس التنظيمي لها.
استقالة الغنوشي تضع ماضي وحاضر ومستقبل الرجل في مهب الريح بعد عشرات السنين من المد والجزر، المطر والقحط، ويسقط كل تاريخه ويعود لمسقط رأسه كمتقاعد يعود من الغربة ليقضي بقية حياته في أحضان قريته الصغيرة.
رغم الكثير من التناقضات في حركة النهضة فما زال الغنوشي يمسك بكل خيوط اللعبة في أوساطها المتناحرة عن من تكون الفئة القرب للفكرة الأساس من غيرها،
الخيار الذي قرر زعيم الحركة السير فيه لم يكن فقط خياره الشخصي بل نتاج التحالفات المحلية والاقليمية والدولية جعلته عاجز عن الخروج من الموقع الذي حشر فيه، والنهضة بحياديتها المطلقة ستقف وراء المرشح المستقل المنصف المرزوقي لإن ترددها سيكون ثمنه أكبر من قدرتها على تحمله ضمن المحور القطري التركي الذي ترتبط فيه النهضة والعاجزة فكراً ومضموناً عن الخروج أو التمرد عليه.
حياد النهضة المقلق سيكرس رؤيتها لقادم تونس في حال فشل أو نجاح رفيق دربها المنصف المرزوقي وشكل علاقتها مع نداء تونس في سنوات خمس ستصنع القادم المتأرجح بين نجاح تجربة وليدة أو السقوط في براثن فوضى الخراب العربي الذي تعم نكباته من اليمن إلى ليبيا.
بعد أربعين عاماً على نشأتها ومايقارب التسعين عاماً على ميلاد منبعها الأم تواصل الحركة سيرها بنفس منهج إبقاء الشكوك وغياب الوضوح في تقديم مواقفها بصراحة وصدق، ربما المواقف الوحيدة الصادقة تلك التي تصدرها في لحظات التوثب أو الأستعداد للصدام بكل أشكاله مع من تصنفهم حينها بالأعداء.
حركة النهضة تحاول تغطية الجبل بورقة شجر، والخلافات بينها ليس بالوقوف على الحياد أو دعم احد المرشحين بل بالبقاء في نمط تجربة الدورة الاولى أم القفز لقارب يسعى من يعتقد أنه الربان بأن الوقت قد حان لزمن التمكين والظروف مواتية لتحقيق المراد.
رغم أزمات النهضة الحالية أو القادمة سيبقى راشد الغنوشي على رأسها زعيماً ومرشداً وإن كانت الأحلام ليست كما كانت قبل ثلاث سنوات والظروف لن تعود كما كانت عليه، وستحصد الحركة كل ثمار زرعها مرة واحدة.
باسل ترجمان