آراء

قيادات نداء تونس وحدتهم النهضة و فرقتهم "غنيمة" الحكم

 عادت الخلافات، لتطفو على السطح من جديد، بين قيادات الحزب الحاكم "نداء تونس"، ظاهرها في علاقة بالموقف من كيفية ادارة الحزب، لمرحلة ما بعد الفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية. أما باطنها فهو يخفي تناقضات وتباينات تصل مرتبة الصراع، اذ أن البعض يعتبرها "معركة وجود". وذلك بسبب تباين الرؤى والخلفيات الفكرية والايديولوجية، وأيضا تباين الطموحات والارتباطات داخل وخارج الحزب.

غير أن مضامين/محتوى الخطاب وحدة الاعلان عن الاتهامات و "نشر الغسيل" بين بعض القيادات "الندائية"، كشفت عن اختلاف حول اقتسام "الغنيمة". في علاقة بتوزيع المسؤوليات. سواء في قصر قرطاج، وما يعني ذلك من قرب من الرئيس قائد السبسي، ومن مؤسسة الرئاسة التي يتوقع أن تكون مركز صناعة القرار وإدارة الحكم خلال المرحلة القادمة. أو في علاقة بالظفر بمنصب في الحكومة. هذا ما يفسر "تمرد" عدد من النواب من الذين كانوا يحلموا بالوزارة، على قرار السبسي القاضي بمنعهم، من تحمل مسؤولية حقائب في حكومة الحبيب الصيد.
** محاولات فاشلة ل "التمرد" على السبسي
في الواقع، فان في هذه الخلافات، نجد أنها ليست بالمستجدة في حزب الباجي قائد السبسي. فقد كادت التناقضات بين "الروافد" المكونة له، أن تعصف بوحدة الحزب شهر قبل موعد الاستحقاق الانتخابي التشريعي. خاصة أثناء الشروع في تكوين القائمات الانتخابية في مختلف الدوائر. حينها برز احتجاج، سرعان ما تم تطويقه ليبقي خامدا تحت السطح. بعد أن أرغم رئيس الحزب على التراجع خطوة للوراء، تمثلت في سحب ترشيح ابنه حافظ قائد السبسي، من رئاسة قائمة الحزب في دائرة تونس2. وهو ما أحتسب –من قبل بعض القيادات – بمثابة انتصار، وخطوة مهمة نحو التقليص من الصلاحيات المطلقة لرئيس الحزب، في اتخاذ القرارات ورسم السياسات والتعيينات.
كما عمدت قيادات، إلى دفع السبسي ل "التقاعد". عبر الترويج إلى أن مهمته انتهت، بعد تأسيس حزب استطاع فرض التوازن داخل المشهد السياسي، وإخراج الترويكا بزعامة الإسلاميين من الحكم. وذلك من خلال المجاهرة بمطالبته بعدم الترشح للرئاسة، متعللين بأن قدراته الصحية لا تسمح له بحكم البلاد. وهنا نتذكر جيدا "رسالة" عمر صحابو المفتوحة لقائد السبسي. في سياق متصل اختار البعض مساندة مرشح للرئاسة من خارج الحزب، وهو ما قام به "نور الين بن تيشة"، عندما اختار معارضة ترشح السبسي وانضم لحملة كمال النابلي. وفي الواقع فان هناك كثيرون عبروا عن رفضهم استمرار الباجي في ادارة الحزب أو الترشح للرئاسة. وبالتالي تصفية مرحلة السبسي وبداية معركة "الخلافة".
السبسي، يمهل ولا يهمل
قائد السبسي، وهو السياسي المخضرم، الذي خبر وعايش الصراعات وحرب المواقع في عهد بورقيبة، لم يولى أهمية كبيرة لما كان يخطط له بعض من حوله. فهو لا يريد إضاعة جهده وطاقته في معارك جانبية تلهيه عن هدف الأساسي. فالرجل، وهو العائد للسياسة بعد تقاعد استمر عشريتين، يقوده حلم "الرئاسة"، والثأر في تحقيق ما عجز عن الوصول إليه في زمن بورقيبة، برغم قربه منه وثقة الزعيم فيه، نعني هنا منحه "الوزارة الأولى" في ذلك الوقت.
الآن وهنا، وبعد أن استتب الأمر كله له، بعد أن استطاع الوقوف في وجه طموحات "رجال من حوله" وملاعبتهم بذكاء ومكيافيلية، خصوصا بعد أن اكتشف معدنهم ونواياهم تجاهه. ليمضى في تحقيق حلمه، وكان له ما أراد وأكثر. فهل سيواصل ساكن قرطاج "الترفع" عن حرب "التموقع" الجارية في "القصر" وفي "نداء تونس"؟ أم سيلجأ ل "الحزم" عبر ضبط مربعات التحرك ولجم طموحات لا حدود لها؟
بدون شك، فان السبسي سيكون له مرجع نظر على الحزب، حتى بعد أن استقال من رئاسته. كما سيكون له القرار النهائي في التعيينات الوزارية وفي الوظائف الكبرى للدولة. إضافة إلى أنه لن يكون بعيد العينين عن المؤتمر الأول للحزب، خصوا وأن رجالاته المقربين – محمد الناصر الذي عوضه في رئاسة الهيئة التأسيسية، و ابنه حافظ الذي تم تصعيده للهيئة التأسيسية وأوكلت له مهمة الإشراف على الهيكلة، منصب حساس في كل حزب، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتخاب الهياكل من القاعدة الى الهرم، ثم عقد مؤتمر يتوقع أن تتم هندسته مسبقا. بناء على ما تقدم فان كل الأوراق بيد قائد السبسي. ما سيسمح له بتوزيع "العطايا" كما يشاء ويريد. على قاعدة "الولاء" و "الانضباط" قبل أي معيار أخر.
حرب تموقع بين النواب ومستشاري الرئيس
يدرك قائد السبسي جيدا، أن الحزب دخل طورا جديدا بعد فوزه في الانتخابات، وأن أولوياته قد تغيرت كليا عما كانت عليه في السابق. وان كان يتفهم في السابق بعض "المواقف المنفلتة" و يتجاوزها، إدراكا منه أنها مرتبطة بعوامل موضوعية، تتصل بنشأة الحزب والأهداف والسياسات التي سطرها له، وتبعه فيها لاحقا القيادات الوسطى وكذلك المتعاطفين والأنصار. فان هذا "التسامح" انتهي اليوم.
في هذا الإطار، لا نتصور أن يقبل أو يهضم مزاج السبسي السياسي، تصريحات بعض القيادات، مثل تلك التي أتاها خميس قسيلة، خصوصا وأنها جاءت "مشككة" في اختياراته وفي قدراته الشخصية. اذ قال قسيلية في تصريح " ناري " بأن "مستشاريْ رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي محسن مرزوق ورافع بن عاشور يمثلان أكبر خطرا على نداء تونس وعلى تونس. والسبسي لا سلطة له في قرطاج" . تصريح لا يمكن أن يقبله السبسي، خاصة وأنه يتقاطع مع تصريخات معارضي السبسي، شككت في قدرته على "التسيير" و "التحكم في حاشيته وعائلته"، نظرا لتقدمه في السن.
كما أشار قسيلة خلال استضافته الخميس 8 جانفي على أمواج إذاعة كاب أف أم إلى "أن مرزوق وبن عاشور يفكّران بمنطق العائلة" وفق تعبيره. وأضاف قسيلة قائلا: " ان بن عاشور ومرزوق يريدان التحكّم بالحزب وإقصاء كتلته في مجلس النواب من المشاورات حول تشكيلة الحكومة وتركيبتها وغيرها من المسائل المهمّة".
انتهاء مفعول العناية الالاهية
في نفس السياق الرافض لسياسة قائد السبسي، قال خالد شوكات النائب بمجلس نواب الشعب عن حركة نداء تونس "انه لا يعتقد أن اختيار الحبيب الصيد رئيسا للحكومة الجديدة سيحظى برضاء كبير داخليا وخارجيا"، وذلك خلال مقابلة في برنامج "ناس نسمة".
وأكد شوكات "أن حزب نداء تونس يعجّ بكفاءات يمكن ان تكون محل وفاق" .وهنا يشير شوكات صراحة إلى أن "العناية الالاهية" التي سبق وأن قال أنها "أرسلت السبسي لانقاذ تونس"، قد أخطأت في التصويب والتقدير هذه المرة. إضافة إلى المواقف العلنية، لكل من كسيلة وشوكات، فان هناك آخرين من قيادات الحزب، ومنهم الطيب البكوش الذي يرى أنه الأجدر برئاسة الحكومة، قد اختاروا الصمت والانحناء للعاصفة، عوض عن الإفصاح بما في صدورهم، من رفض لاختيارات الرئيس الباجي قائد السبسي.
لعل تطورات وتفاعلات بداية "التمرد" داخل "نداء تونس"، الموجه أساسا تجاه مؤسس الحزب والشخصيات المقربة منه في القصر، ستبرز ملامحه أكثر، خلال إعداد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب. 
بدون استباق لما سيؤول إليه الأمر، فانه لا يتوقع أن يكون لصوت الغاضبين صدا كبيرا، وحزب "النداء" في موقع الحكم، الذي يغري الجميع بالتقرب إليه والرغبة في نيل رضاه طمعا في عطايا ممكنة أو محتملة. وهذا سبب وجيه، لإضعاف بل إسكات أصوات الغاضبين والمعارضين داخل الحزب، لصالح المقربين والمؤلفة قلوبهم، الذي اصطفاهم الرئيس ليكونوا حوله. 
.ومثلما تأكل الثورة أبنائها، فان حرب التموقع وتفاوت موازين القوى، لها نفس المفعول، في حياة حزب انتقل من طور المعارضة إلى طور الحكم
 
منذر بالضيافي