آراء

من يدفع للتصادم بين اتحاد الشغل والحكومة؟

بقلم : منذر بالضيافي

 

في بيان الهيئة الادارية الأخيرة، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل الى أن ادارة البلاد تفترض الشراكة بين كل الأطراف المعنية، كما طالب بضرورة الشفافية في عرض واقع البلاد في مجال المالية العمومية، وانتقد دور بعض وسائل الاعلام، واتهم بعضها بشن حملة على المنظمة. لكن، دون أن يغفل الاشادة بقرار الحكومة بفتح أرضية للتفاض حول الزيادات بعنوان سنة 2014. فحوي البيان، يبرز أن المنظمة الشغيلة اختارت التنبيه الى ضرورة عدم الانفراد بادارة الشأن العام، الذي يبقى شأنا يهم الجميع وخاصة المنظمة الشغيلة، كما ألمح ذات البيان الى أن هناك من يعمل للوقيعة بينها وبين الحكومة.

 

كشفت الأزمة الأخيرة، بين نقابة الأساتذة ووزارة التربية، عن وجود "نوايا سيئة" للإيقاع بين الحكومة والاتحاد. وبالتالي الدفع نحو التصادم أو "توتير" العلاقة بين الحكومة والاتحاد. وذلك عبر "النفخ" و "التشكيك" في "الشرعية النقابية" لإضراب الأساتذة، والتلميح إلى أن له خلفيات سياسية. برز ذلك من خلال ما يشبه وجود "حملة إعلامية" ظاهرها "إدانة" إضراب الأساتذة وباطنها استهداف للمنظمة الشغيلة. غير أنه و من خلال ردود أفعال كل من الحكومة والقيادة النقابية، نلاحظ أن الطرفين لم يسقطا في "الفخ"، فهما يدركان جيدا أن واقع البلاد لا يحتمل مثل هذه المخاطرة. خاصة في ظل تردي كبير في الأوضاع الاجتماعية، ما نجم عنه ارتفاع كبير في منسوب الاحتجاجات، التي يجب التعاطي معها بكل عقلانية. عبر تأطيرها من خلال فتح قنوات حوار مع مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات الغاضبة، لأن غياب مثل هذا التأطير و الإحاطة، ينذر بأن تأخذ أشكالا أخرى تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتدفع نحو الفوضى التي أصبحت خطرا قائما يهدد تونس.
المنظمة الشغيلة، توازن لا تغول
تدرك حكومة الحبيب الصيد، وهي في الواقع مسلمة وبديهية في التاريخ الاجتماعي والسياسي التونسي، منذ خمسينات القرن الماضي أي منذ نشأة الدولة الحديثة، أن عماد الاستقرار هو التوافق بين الاتحاد والحكومة، وأن كل صراع ومحاولة لي ذراع من هذا الطرف أو ذاك، ليس في مصلحة أي طرف ويهدد الأمن والاستقرار العام في البلاد. مثل هذه القناعة تحولت الى ما يشبه "الميثاق الاجتماعي"، وقناعة مترسخة لدى الفاعلين في المشهد السياسي، من مجتمع مدني وأحزاب ونخب ومثقفين. ولعل هذا ما يفسر تسريع الحكومة الجديدة، بوضع اتفاق إطاري ينظم المفاوضات الاجتماعية لسنة 2014. وهو ما كان محل اشادة في بيان الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد المجتمعة يوم 3 مارس 2015، التي سجلت " بارتياح تجاوب الحكومة مع الاتحاد في فتح مفاوضات اجتماعية للزّيادة في الأجور بعنوان 2014 في الوظيفة العمومية والقطاع العام".
بعيدا، عن الجانب المطلبي وهو مهم وأساسي في عمل المنظمة الشغيلة، فان للاتحاد دور وطني يتجاوز حصره – كما يحاول – في دائرة كل ما هو نقابي، الى الاهتمام بكل تفاصيل الشأن العام الوطني. ولعل التسوية السياسية الأخيرة، التي أتت بالحكومة الحالية، بعد تنظيم انتخابات 26 أكتوبر 2014، ما كان لها أن تري النور بدون ذلك الدور الذي لعبه الأمين العام لاتحاد الشغل، الذي لعب دورا اساسيا في اقناع الجميع، ووظف سلطته الرمزية وشرعيته التاريخية، من أجل وضع خارطة طريق أنهت المرحلة الانتقالية. كما أن الاتحاد ومنذ تأسيسه لعب مثل هذا الدور، ما جعل الباحثين يرون أن خصوصية التجربة التحديثية السياسية في تونس، تعود في جانب منها الى مركزية الدور الاجتماعي والسياسي لاتحاد الشغل. ولا يجب أن يري البعض –من غير العارفين بالحراك المجتمعي التونسي – أن المنظمة الشغيلة، تسعى الى تكريس "الهيمنة" أو "التغول" على المشهد العام، بقدر ما هو حرص على التأكيد على التوازنات والدور التعديلي للمنظمة لا غير. حيث رفض الاتحاد دائما، الانخراط في العمل السياسي المباشر، الذي هو من مهام الأحزاب، هذا ما يفسر رفض القيادة النقابية المشاركة في الانتخابات، وترك حرية المشاركة للنقابيين كأفراد بصفة لا تلزم الاتحاد ولا تعبر عنه.
الشفافية الطريق الى عدالة اجتماعية حقيقية
في اطار دوره الاجتماعي، أكد بيان الهيئة الادارية الأخير للاتحاد، على حق المنظمة "في النفاذ إلى حقيقة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية خاصّة في ظلّ الضبابية حول الوضع الاقتصادي والتوازنات المالية للبلاد"، مشيرا الى "أهمية الوضوح فيها وعلى المصارحة لتثبيت المسؤوليات الملقاة على عاتق كلّ طرف وفي ظلّ تواصل تحميل أعباء فشل الاختيارات على عاتق الأجراء وباقي الفئات الشعبية". كما أكد البيان أيضا، على "ضرورة ربط الزيادات بمراجعة جريئة لسياسة الأسعار بما يحدّ من التضخّم و سنّ سياسة جبائية عادلة والإسراع بمقاومة فعّالة للتّهريب والاحتكار وإعادة تنظيم مسالك التوزيع لما يشكّلانه من نزيف دائم لثروات البلاد وجهود العمّال وما قد يوفّره من أرضية ملائمة لتنامي الإرهاب واتّساع رقعته وتغذيته بالمال والتموين". مثل هذه المطالب، هي الكفيلة بتحقيق سلم اجتماعي حقيقي.
كما لم يفوت بيان الهيئة الادارية التأكيد على ضرورة تواصل سياسة التوافق بين كل الفاعلين الرئيسيين، وأن ادارة البلاد –وان كانت تهم الحكومة اولا- فانه لا يجب أن تستفرد بها الأحزاب وخاصة المشكلة للحكومة، والتي بينت عن تراجع بل غياب لدور المعارضة الممثلة في المؤسسات التشريعية وخاصة مجلس نواب الشعب. وهنا دعا اتحاد الشغل الى "أنّ الملفّات الكبرى المطروحة في هذا الظرف الدقيق هي شأن وطني يعني كلّ الأطراف ويجب أن تعالج بمقاربة تشاركية وأن يؤخذ برأي جميع مكوّنات المجتمع بعيدا عن أسلوب الإقصاء والقرارات الأحادية بما يضمن حلولا جذرية ونتائج إيجابية يتقاسم فوائدها عموم الشعب وفق قاعدة أساسية وهي تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان السيادة الوطنية".
هل هناك حملة اعلامية تستهد الاتحاد؟
وفي علاقة مباشرة بالشأن السياسي، تطرق بيان الاتحاد الى مسار وضع المشهد الاعلامي الحالي، في ظل تصاعد بعض التخوفات من وجود مساع لاعادة الاعلام الى بيت الطاعة. وهنا شدد بيان الهيئة الادارية على تمسّك الاتحاد " بحرّية الإعلام وبحقّ التونسيين كافّة في النّقد وفي التعبير عن الرأي". وفي هذا السياق أشار الاتحاد العام التونسي للشغل، الى أنه يستغرب " استنفار البعض للتهجّم على الاتحاد والسعي لشيطنة التحرّكات النقابية والاجتماعية مستغلّين بعض المنابر الإعلامية لممارسة حملات شرسة تفتقد إلى الموضوعية والتوازن'. وجدد الاتحاد تبينيه لاعلام حر "في كنف احترام الحقوق التي كفلها الدستور بما فيها الحقّ في إعلام حرّ غير خاضع للضغوطات أيّا كان نوعها".
وكان الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهر، قد سبق له أن صرح بأن هناك عودة لما اسماها "التعليمات" في قطاع الإعلام، مثيراً مخاوف من عودة الإعلام إلى "بيت الطاعة".. وتناقلت وسائل الإعلام، ما كتبه الطاهري، على صفحته على "الفيسبوك"، التي أكد فيها على أن هناك "اتفاق بين عدد من وسائل الإعلام على مهاجمة الإضرابات"، وهو دليل ساطع على بداية ظهور إعلام التعليمات. وأضاف أن هناك " مكان ما تصدر منه هذه التعليمات"، مشيراً إلى أن تلك "التعليمات تطل من بعض مراكز النفوذ والسلطة والخطر يتهدد حرية الإعلام".. كما أكد أن هناك "عدد من الإعلاميين يعملون في مؤسسات إعلامية عمومية ويتقاضون أجوراً، ولم نرهم يوما يخطون حرفا مقابل مرتباتهم ومنحهم وامتيازاتهم..."، متهما هؤلاء بالانخراط في ما يقول النقابيون إنه حملة "شيطنة" لاتحاد الشغل.
مساندة للأساتذة
وحول الأزمة الأخيرة بين الأساتذة ووزارة التربية، كان موقف الاتحاد واضحا ولا يحتمل أي تأويل، اذ جاء في بيان الهيئة الادارية التالي: "نعبّر عن تبنّينا لنضالات أساتذة التعليم الثانوي ومطالبهم ونحيّي نضاليّتهم ووحدتهم والتفافهم حول هياكلهم النقابية وتمسّكهم باتّحادهم ممثّلا وحيدا ونستنكر حملات التحريض التي شنّت ضدّهم وندين عمليات الاعتداء التي طالت المدرّسين في عدد من الجهات ونحذّر الحكومة وسلطة الإشراف من مغبّة إدخال المؤسّسات التربوية في دوّامة الصراع والعنف وردود الفعل غير المحسوبة وندعوها إلى إنصاف قطاع التعليم الثانوي مادّيا ومعنويا والإسراع بفتح مفاوضات جدّية ومسؤولة تفضي إلى نتائج تكون بحجم تضحيات المربّين بُناة المستقبل".