آراء

الحبيب الصيد يعلن القطيعة مع مرحلة ما قبل 5 جوان ؟

منذر بالضيافي

يعقد اليوم، مجلس نواب الشعب، جلسة عامة استثنائية، ستخصص للاستماع إلى خطاب لرئيس الحكومة الحبيب الصيد. سيكون مثلما علمنا، بمثابة عرض شامل، يتطرق من خلاله الصيد الى "حالة تونس"، خلال المائة يوم من فترة عمل الحكومة التي يترأسها. على أن يخصص الجانب المهم منه إلى مخاطبة التونسيين ب"الإجراءات" التي ستقدم عليها الحكومة، وذلك في اتجاه إحداث القطيعة المطلوبة، والتي تحولت لمطلب اجتماعي وسياسي، قطيعة مع مرحلة ما قبل 5 جوان، التي اتسمت بغياب الحكومة، ما جعل الكثيرون يرفعون شعار "ويني الحكومة"؟.

فمن المتوقع، أن يستهل رئيس الحكومة خطابه بالتذكير بالمناخ العام، الذي اشتعلت فيه حكومته، خاصة في علاقة "بتركة" الحكومات السابقة، التي فرض عليها وضعها "الوقتي" و "تغول" المحتجين الذي وصل درجة "ابتزاز" الدولة، الإقدام على "تنازلات". مثل الكثير منها "ألغام"، واجهت حكومة الصيد، خاصة في علاقة بالجانب الاجتماعي، الذي اتسم سابقا بما يشبه "الفوضى" في العلاقة بين عدد من الإدارات والطرف النقابي، عبر إمضاء اتفاقيات دون الرجوع لرئاسة الحكومة ودون معرفة بقدرة الدولة على الإيفاء بها. إضافة إلى تراكم المشاريع المعطلة، التي أثر تأخر انجازها برغم وجود الاعتمادات المخصصة لها، على التنمية خاصة في الجهات الداخلية.

على رئيس الحكومة، وهو يستعد لمخاطبة الشعب التونسي، أن يضع نصب عينه اقناع "الأمة"، عبر خطاب يجمع بين "المصارحة" و "المسؤولية". وهنا نشير الى أن حجم أو سقف الانتضارات كبير، في المقابل فان الوضع الاقتصادي المتعثر، الذي انزلقت فيه نسبة التنمية الى أقل من 2 بالمائة، بسبب تعثر الانتاج في قطاعات حيوية هي في علاقة بالأمن القومي التونسي -دون مبالغة- مثل الفوسفاط والطاقة، لا يسمح بانجاز ما يطلبه العمال والمحتجين، في الجهات التي أهملتها الدولة الوطنية، برغم تحوزها على موارد طبيعية، وهو ما جعل أهاليها يشرون ب "الغبن" و "الحقرة"، مشاعر وأحاسي مفهومة على الحكومة أن تضعها في حساباتها، وأن لا تنزلق الى الحلول السهلة المتمثلة في "شيطنة" الاحتجاجات، عوض البحث عن حلول لها، في اطار من المصارحة والشفافية.

وهذا ما عجزت حكومة الصيد عن فعله، ما جعلها في وضع يشبه "العجز" أمام الحركة الاحتجاجية، التي تنذر بدفع البلاد نحو "الفوضى" مستفيدة من الأوضاع الهشة التي تمر بها مؤسسسات الدولة، ومن الوضع الاقليمي المتحرك، الذي تغلب عليه كل مظاهر عدم الاستقرار، نظرا لانتشار السلاح وخطر الجماعات الارهابية، المتحالفة مع عصابات التهريب ومافيات الفساد. وهنا على الحكومة أن تحسن من منهجية اتصالها سواء في التعريف بانجازاتها وعملها أو لمخاطبة مواطنيها. ولعل الجانب الاتصالي، مثل أبرز نقاط ضعف حكومة الصيد، ورئيس الحكومة نفسه يقر به. طبعا الى جانب غياب "بيداغوجية التواصل" لدي جل الفريق الحكومي، الذين تنقص الكثير منهم "الكفاءة" و "التجربة"، كما أنه تنقصهم الدراية بأصول العمل السياسي، فهم ينتمون لأحزاب مستجدة وليس لها تقاليد ولا زعامات. كما ينقص "حكومتنا العتيدة" التضامن داخلها، وبين الأحزاب المكونة لها. وهنا من الضروري الإشارة مرة أخري، ومن باب التذكير، أن حكومة الحبيب الصيد، ولدت في علاقة بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبوجود ما يشبه "الإجماع" من قبل الفاعلين السياسيين الرئيسيين، على أن تونس لا تحكم في هذه الفترة الانتقالية، من قبل طرف وحيد أو حزب واحد. وهو تشخيص ايجابي، لكنه لم يترجم في الواقع، خاصة في علاقة بدعم الحكومة، التي نلاحظ أنها بقت بلا سند سياسي، كما كان حال حكومة مهدي جمعة. وهي مفارقة "عجيبة" لحكومة لها كل "الشرعيات".

هناك انطباع حاصل بأن حكومة الصيد تبدوا كما لو أنها حكومة تصريف أعمال. وليست حكومة مسنودة بأغلبية برلمانية مطلقة. وهو ما برز من خلال أداؤها الى حد الآن. من ذلك أنها لم تحدث ما يمكن أن نطلق عليه ب "الصدمة الايجابية" سواء لدي الشارع التونسي أو في الادارة أو لدي النخب والفعاليات السياسية والمجتمع المدني. وهذا ما جعلها تظهر وكأنها حكومة بلا سند وبلا ظهير سياسي يسندها، برغم أنها مكونة من أربعة أحزاب، بما فيها "النهضة" الاسلامية. فالأحزاب المكونة لحكومة الصيد، تركت الرجل لوحده يواجه جبال من المشاكل والتحديات، التي تعجز "الجبال" على حملها. وبقت في موقع "المتفرج"، وكأن الحبيب الصيد وفريقه الحكومي، يملكون عصا سحرية لتغيير الواقع، الذي ما زالت تغلب عليه ما أصطلح التونسيون على تسميته ب "حالة الانفلات"..

ولعل التحركات الاخيرة للأحزاب المكونة للتحالف الحكومي وبعث لجنة للتنسيق بينها ومع رئيس الحكومة من شأنها أن تقدم دعما للحكومة عبر عودة الأحزاب الى الناس من خلال الاتصال المباشر على غرار ما قام به رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي في زيارته الأخيرة للجنوب التونسي في توقيت تصاعدت فيه الحركة الاحتجاجية هناك وبدأت تأخذ منحى يهدد الاستقرار ووحدة المجتمع والدولة. وهو ما يتوقع أن يتدعم خلال الفترة القادمة، بعد بروز مؤشرات عن تجاوز الأزمة داخل الحزب الحاكم، الذي عليه أن ينتقل لدعم ومساندة الحكومة على الأرض. اضافة الى الدعم الحزبي للحكومة، فان اللقاءات الدورية مع قيادة المركزية النقابية –الاتحاد العام التونسي للشغل- تتجه نحو ايجاد أرضية تؤسس لسلم اجتماعي.

ان المناخ الجديد الأخذ في التشكل، الذي عنوانه دعم الحكومة هو الذي على خلفيته سيتحرك الحبيب الصيد وفريقه خلال فترة ما بعد 5 جوان، باتجاه تجاوز كل الهنات ونقاط الضعف التي ميزت ال100 يوم الأولى من حكومة الصيد. على هذا الأساس سيكون خطاب رئيس الحكومة اليوم حاملا ومعبرا على هذه المعاني. باتجاه أداء حكومي جديد يقطع مع الذي سبقه، ويستحضر في المقام الأول ضرورة انقاذ البلاد، وهو ما أكدته لنا مصادر مطلعة وقريبة من رئيس الحكومة. بما يعني أن تاريخ 5 جوان سيكون له ما بعده، وسيكون في قطيعة تامة عما سبقه خلال ال100 يوم الأولى من عمل الحكومة. سواء في علاقة بمجابهة الوضع الحالي، من خلال تطبيق القانون ووقف نزيف الاضرابات والاحتجاجات المعطلة للعمل والانتاج، أو التخطيط للخماسية القادمة، عبر وضع اصلاحات هيكلية.