آراء

عندما يكشف جسد الصبية... أراجيف الاسلام المعتدل

نايلة السليني
ساءت حالهم يا سادتي، واكفهرّت وجوههم، وسقطت الأقنعة، أقنعة تذكّرنا بذئب حمراء حمراء حين استلقى وتمارض وتفنْين حتى يلتهم ذاك الوجه البريء الملائكيّ لحمراء حمراء. كنّا نعتقد أنّ هذه الصورة

من وحي قصص خيالية، مثلما اعتقدنا أنّ البعض الناشز بخطابه إنّما ينطق بمرض دفن في عينيه ولسانه وحركاته. لكن الحقيقة هي غير ما توهّمنا، فإذا بالذئاب حولنا تطوف حول جسد كلّ أنثى منذ أن تبدأ فتنفتح على الحياة. اعتقدنا أنّنا شعب يعيش حداثة 2015، فإذا بنا نعايش أجساما غريبة في خلقتها، ومن إعجازه تعالى أن خلق لنا شريحة هي خلطة عجيبة من الغرائز الحيوانية والطاغية على العقول، سرعان ما يغلي دمها في أدمغتها فتحول إلى وحوش ضارية تأتي على كلّ غضّ جميل. علّمونا أنّ الله جميل يحبّ الجمال، فإذا بهؤلاء لا يهنأ لهم خاطر إلاّ بخنق انفاس الجمال.

انتفضوا هذه الأيام يولولون ويندبون حال إسلامهم الذي كم صدعونا بإقناعنا أنّه" المعتدل". وكم أوهمونا أنّهم الحصن الحصين ضدّ التطرّف والإرهاب، ولم لا المرجع الوحيد القادر على الوقوف في وجه الظاهرة الداعشية؟ لكن هل وقفتم يوما على تنديد من أحدهم لما نراه من أسواق النخاسة الداعشية؟ لا، هل أصدر أحدهم وعيدا بما يفعلون من سبي النساء؟ بهت الذي كفر، فهذه مسألة تندرج في تركيبة أذهانهم في أبواب الغنائم والفتوح. ويأتون بعد ذلك ليحدّثوكم عن التسامح في الإسلام وأنّه صالح لكلّ زمان ومكان. قد يكون هذا الرأي صحيحا لكن لن تصلح هذه المقاربة سوى في صحراء يحكمها شيخ قبيلة لاهث وراء مرعى يحفظ الرّمق.

الغريب يا سادتي أنّ هؤلاء لم ينتظروا أن يلبسوهم جبّة الإمامة أو الفتوى .. ولم يصبروا حتى يعترف لهم بالعلم. بل انبرى كلّ من آنس في نفسه نشاطا يصرخ وينادي أنّه العالم الأصمّ الآتي بما لم يأت به الأوّلون. وأنّه الأعلى والحافظ بما أتى به الله وبما لم يأت به أيضا. وإذا بحثت فيما قرأ وكتب ستجده عالما لأنّه حفظ آلاف الأحاديث أجمع الأصوليون على أنّها موضوعة أي بعبارة أصحّ كاذبة. هم أئمة حفّاظ نالوا الإجازة بعد أن بصق أسيادهم في أفواههم. وتلك هي نواميسهم.

لهذا تجدهم يتصارعون على كرسيّ العلم ويسعون إلى اتهام بعضهم بعضا ، فهذا إخواني وذاك وهابي والآخر حبشي.. لكن حذار، فاختلافهم شكليّ، ما إن تمرّ أمامهم امرأة حتى يتحدوا في مواقفهم.. ويجتمعوا على عدوّ واحد.. كيف لا وقد أراد الله الإيقاع بهم في خلقته لهذا الكائن، عليهم باليقظة والترصّد لأنّ مصير الدين الإسلامي برمّته مرهون في ردف هذا الجسد .. لأنّ سلامة العقيدة لضمان الجنّة وحسن المآل مشروطان في مصارعة إبليس الذي أدخله الله جسد المراة فسكن فكرها وانسلّ إلى نظرها وتكلّم في مشيتها وجلستها وضحكتها وحتى في بكائها.. بل هو كائن

تمكّن في هذا الجسد واستقرّ، ولن يغادره حتى وهو جثّة هامدة يمكن أن يثير الرجل فيطأها وهي ميتة ولا حرج عليه، وباختصار " خلق آدم وبنوه ضعافا"، هذا في اعتقادهم.
المرأة يا سادتي هي حبل النجاة عند هؤلاء من الضياع والكفر.. ولم يعد للدين من منقذ من الضلال سوى بحلّ واحد اوحد: إحكام الغلق على المرأة، وكيف نلجم لسانها لأنّ صوتها يثير شهوة.. ونغمض عينيها لأنّ الشيطان قد يتسلّل من مآقيها فيغازل الرجال ويوقعهم في الضلال...كيف نقيّد يديها ورجليها لأنّ في حركاتها انتصاب أعضائهم.. فإذا بالعقيدة جسد وشهوة.. وإذا بالنعيم في الجنّة

عبارة عن أكوام من أجساد النساء تراكمت على الرجل المنعّم بركوبهنّ وقد منح قوّة جنسية قد تبلغ آلافا من الرجال.. فهل هذا هو دينكم؟ وهل هذا هو إسلامكم؟ ألهذا الحضيض انحدر إيمانكم؟ تبّا لهذا الدين إذن.. وأنا أوّل من يكفر بكم لأنّكم تكفرون بخلقتي التي أبدع إلهي في صنعها.. بل حتى النبيّ محمّد.. لو بعث من جديد، و أقسم بربّ الكعبة، لأرجعتموه إلى قبره وحثوتم ما استطعتم عليه من تراب حتى لا يخرج ، ولقلتم له: ليس هذا هو الدين الذي بعثت من أجله..

متى ستخرجون من القماقم التي أنشأوكم فيها؟ متى ستدركون أنّ الله خلق المرأة والرجل على حدّ سواء، ولا فضل لأحد منهما على الآخر إلاّ بالتقوى؟ افتحوا كتب الأخبار التي لا ترون منها سوى ما لقّنوكم إياه.. وتوقّفوا عند مختلف النوازل التي فتحوا أدمغتكم وصبّوها صبّا.. أدخِلوا هذه الأخبار مشرحة النظر والتحليل والنقد.. عسى أن تنشرح عقولكم على حريّة التفكير.. إلى متى ستظلّون سجناء رِجل المراة وردفها .. تثيركم عين وتهيّجكم ضحكة؟ أفيقوا ...فقد صرنا مهمّشين على الربوة والعالم يعيش إنسانيته.. أَخرِجوا عقولكم من الكهوف المظلمة التي انحبس فيه الهواء فتعفّن..

قتلتم الحياة في المراة والنتيجة أنّكم قتلتم أنفسكم.. وصرنا عبارة عن جثث مترامية هنا وهناك. أيّ مستقبل ينتظرنا سوى القحط والفراغ وصحراء قاحلة. نريد التنمية؟ لكن بأيّة وسيلة ؟ ومع من ننهض بها؟ مع من يعتبرني انا المرأة مصدر بلاء؟ وكيف لمريض أن ينهض إن كان المرض قد هدّ جسمه وكتم أنفاسه؟

يقف هذا السيد الذي طالما صدع رؤوسنا ليقنعنا بأنّه رسول الإسلام المعتدل صارخا ليقرعنا مهدّدا، وكأنّه يقود وراءه جيشا زلزالا ، ليؤكّد أن إخفاء جسد الصبية ذات 11 سنة أمر واجب من الله تعالى. لم ينقصه سوى حمل السيف بيد وكتاب الله بيد أخرى.. وصرنا نعيش أجواء شبيهة بالمسلسلات التاريخية التي تتحدّث عن فتوح خالد بن الوليد .. فإذا بنا مع شخصية تخيّلتُها ابن القعقاع.. تتوعّد بيوم عظيم تسيل فيه الدماء وتقطع فيه الرقاب.. إذا بنا مع شخصية "عرّات على الصافي" وصارت توظّف خطابا نصفه "ما تحت الحزام" . والسبب؟ إعلان رئيس الجمهورية عن منع تغطية

الصبيات بالمدارس الابتدائية. لقد صار مرض هؤلاء مزمنا وتفشّى في أجسادهم بمثابة السرطان.. وصاروا خطرا يتهدّد حتى بناتهم.. لأنّ الشهوة تستيقظ فيهم منذ أن تينع البنت البريئة الطاهرة، البنت الفرحة بطفولتها.. مرضهم مزمن لسبب بسيط لأنّهم يقيسون الحياة لا بالزمن والتاريخ بل بنموّ الجسد. هذا السيد الذي احتلّ إذاعة خاصّة تنتج برامجها بكلفة مادية باهظة ، وطيلة شهر رمضان انتصب يفتي، وهو المحتاج إلى تكوين، هذا السيد رضي بأن يغلق عليه وعلى الصحفية باب طيلة شهر كامل ... وفي هذا السياق أسأل هل اشترط عليها تقريطة، أي خمارا ليحادثها ؟ وهل أثارت

فيه شهوة وهو يحادثها؟ أعذروني، فقد اختلط الحابل بالنابل وصرنا نرتاب في كلّ دقيقة أو إشارة. فهذا السيد يعتبر أنّ نضج البنت جسديّا وذهنيّا رهين بلوغها. بربّكم الأعلى..هل يوجد جهل أتعس من هذا الجهل؟

أجيبك بالعلم لا بالكلام السوقي الذي تلفّظت به في تدوينتك: هل دفعك فضولك العلمي أن تفتح القرآن يوما عسى أن تجد آية تأمر بأن تغطّي المرأة غير المتعوّدة على الغطاء رأسها؟ وهل فكرت يوما في مقاصد القرآن عندما رفَع الحرج في إظهار الزينة على " غير أولي الإربة" وعلى " ما ملكت أيمانهن"؟ وهل اجتهدت لحظة في إنزال هذه الآيات في مسارها التاريخي حتى تستنتج إن كانت آيات عامّة أم خاصّة؟ وكيف يمكننا اليوم أن نميّز الضعيف جنسيّا أو الذي له ميولات رجالية من الرجل " الفحل" كما تتباهون بذلك؟ ماهو رأيك نجعل طابعا على جبينه ؟ أو نبصمه بطابع من

حديد حتى لا يمّحيَ بفعل الزمن كما فعل عمر بأهل الذّمة؟ وهل استطعت أن تقف عند الآية الخاصّة بالقواعد من النساء " فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ"؟ هل حدث لك أن احترت أمام بعض من الفتاوى المالكية، أنت يامن تدّعي انتماءك إلى المالكية، عد إلى مدوّنات الفقه وخاصّة ما ورد في مدوّنة سحنون من اعتبار أنّ عورة الأمة وهي تصلّي في المسجد مثل عورة الرجل: أي ما بين

السرّة والركبتين؟ لن أحيلك على الصفحات، عسى أن تقرأ كامل التراث الفقهي وقد تصاب بعدوى الفضول العلمي. ألم تسأل نفسك عن الأسباب التي دفعت بالمالكية وغيرها من المذاهب إلى إخراج الأمة من إنسانيتها، هذا في نظر معلّميك طبعا، فصارت في حلّ من الغطاء، ولا أقول حجاب، لأنّ لفظ الحجاب نزل في القرآن في معنى الستار وكان خاصّا بنساء الرسول فحسب. ينطبق عليك سيدي المثل القائل: ضحكولو تمد على طولو. وأعتقد أنّك كنت تحلم بمنصب لكن عندما دخلك اليأس عدت إلى معدنك، وانكشف المستور.
أدعوك وأدعو أمثالك، إن بقي فيكم رجاء أن تعودوا إلى قرآنكم، وأن تقفوا عنده بالتأمّل والنظر، أدعوكم إلى توبة نصوح من الله تعالى قبل أن تلاقوه وقد غلّت أعناقكم بأكبر الذنوب، ألا وهي التقوّل على الله. فالله مستطيع متكلّم ولو شاء أن يقول لقال .. الله لا يحتاجك أنت أو من قام يتحدّث باسمه من المحدثين القدامى . عد إلى الصواب ولتدرك أنّك تدين بعقيدة هؤلاء، بما فهموا وقالوا هذا ما أراد الله قوله. وساء ما تفعلون.

يبدو أنّها الحرب، دقّت طبولها لقتال كلّ فكر حرّ، أو مبادرة تسعى إلى إخراجنا من الأوحال التي علقت بنا.. حرب في ظاهرها على المرأة ولكنّها تستبطن هذا المشروع الجهنّمي العاجز عن استيعاب قيم الحداثة المختصرة في إنسانية الإنسان بقطع النظر عن كونه رجلا أو امرأة. وإن أردتموها حربا فلتكن.. وإن عدتم بالحديث نيابة عن الله تعالى شأنه فسنبيّن افتراءاتكم وتهافت مقالاتكم. ولن تمرّوا هذه المرّة.