منذر بالضيافي
العودة الادارية و السياسيه والاجتماعية، التي تنطلق اليوم، الفاتح من سبتمبر ستكون فارقة بل و حاسمة، في مسار الانتقال الديمقراطي، وذلك بالنظر للمواعيد والاستحقاقات المنتظرة خلالها، سواء التشريعية مثل قانون المصالحة الاقتصادية المثير للجدل، الذي يتوقع أن يكون محل تجاذب كبير، او المواعيد الحزبية حيث يتوقع أن تشهد نهاية السنة الجارية، عقد مؤتمري حزبي " النهضة" و "نداء تونس". كما ستكون اجتماعيا صعبة وسط تواصل التوتر وربما التصعيد بين النقابات وعدد من القطاعات الهامة، على غرار التعليم والصحة والنقل...دون أن ننسي استمرارية الحراك الاحتجاجي، المرتبط بتردي الوضع الاقتصادي، وعدم قدرة الدولة على تلبية انتظارات مواطنيها في الخدمات وخاصة الشغل. كما يتوقع تواصل حرب الاستنزاف التي تخوضها البلاد مع الجماعات الارهابية، التي أربكت عملياتها الأخيرة الوضع، من ذلك أن عملية سوسة الارهابية، أحالت قطاع السياحة على أزمة، لا يتوقع أن يتعافي منها قريبا.
العودة الحالية، ستكون بناء على ما ذكرنا "ساخنة" وصعبة على جميع الواجهات، في المقابل نجد أن الحكومة لا تملك لا الحلول ولا الامكانيات والموارد، للخروج منها أو على الاقل التنفيس من حدتها. خصوصا وأن وقع الازمة الاقتصادية، سيكون ماثلا ومخيما بثقله الأسود، على كل المناشط وعلى الحراك المجتمعي والسياسي العام في البلاد. تشير التقديرات الحكومية، الى أن نسبة النمو ستكون اقل من واحد بالماية، يعني العجز عن خلق الثروة الاقتصادية، وبالتالي العجز عن توفير فرص شغل جديدة لالاف الشباب، الذي يهاجر يوميا بأعداد كبيرة نحو الجماعات الارهابية، بما سيزيد في تعميق حالة الحراك الاجتماعي، الذي سينظاف اليها افواج من العاطلين المسرحين من السياحة، هذا القطاع الهام والذي ضرب في مقتل، بعد الضربات الارهابية الموجهة التي استهدفته.
هذا الوضع الاجتماعي المتحرك، ينذر بشيوع مظاهر التوتر، يحصل في ظل مشهد سياسي من سيماته الأساسية ، بروز صراع يبدوا الآن محتشما حول السلطة، وفي ظل تحالف حكومي هش قد لا يصمد امام الهزات القادمة. ما قد يدفع البلد باتجاه عدم استقرار سياسي، سوف تستفيد منه ًفي حالة حدوثهً، بالاساس الجماعات الإرهابية التي تتربص بالمجتمع والدولة معا ، هذه الجماعات التي تعمل علي اضعاف الدولة وتفكيكهما ليسهل عليها نشر "ثقافة التوحش" التي تبشر بها.
بالنظر الى صعوبة ودقة المخاطر، التي تستهدف البلاد وخاصة تستهدف ما تحقق من مكاسب في مستوي الانتقال السياسي، فان المصالحة الوطنية تصبح أكثر من ضرورية، من اجل تجاوز حالة الانهيار التي اصبحت حقيقة لا يمكن التغافل عنها، لعل نسبة النمو المسجلة والتي لم تتجاوز للواحد بالماية، واعلان حالة "الركود الاقتصادي" من قبل محافظ البنك المركزي، والتي تمثل مدخلا وبيئة مشجعة بل حافزة للاحتجاج وضرب الاستقرار. هذا ينضاف اليه تنامي الخطر الارهابي في الداخل او المتربص بنا علي حدودنا الجنوبية، أمران –الأزمة الاقتصادية والخطر الارهابي- خطرهما يعجلان بالمصالحة الوطنية، بل يجعل منها مطلبا مجتمعيا.
لا يمكن باي حال من الاحوال، ان يتحول موضوع المصالحة الوطنية، الي مزاد علني في سوق "عكاظ السياسية"، التي تقوم علي "عنتريات" نضالية و"ثورجية" بعيدة عن ما يعتمل في رحم المجتمع من مطالب و اولويات. قد يكون المشروع الرئاسي المقدم بحاجة للتعديل والتوضيح، وهو ما أقرت به دوائر قريبة من قصر قرطاج. لكن لا يمكن التعامل معه بالرفض المسبق والتشكيك. كما ان المردودية المالية المتوقعة منه قد تكون هي أيضا دون المأمول بالنظر لتشعب مسالك المصالحة المالية، وتعقب الأموال المهربة في الخارج. لكنها ستكون دون ادني شك مقدمة لمصالحة وطنية شاملة.
مصالحة، تجعل البلاد قادرة علي الاستفادة من كل كفاءاتها، والكثير منهم اليوم مقصي بغير وجه حق، كما انها ستمكن من بنا الثقة بين كل مكونات التونسيين، حينها يمكن التفرغ للاصلاحات الكبري التي تحتاجها البلاد. والتي تفترض وفاق وطني كبير وطي لصفحة الماضي، قطعا ستكون تونس هي المستفيدة، وهذا ما يجب ان تدركه النخبة السياسية في الحكم والمعارضة، التي هي مطالبة بالتعالي عن الخطابات المستفزة، التي تهدم ولا تبني، لابد من جعل المبادرة الرئاسيية حول المصالحة، بمثابة ورقة عمل ينطلق منها للتسريع بالمصالحة، بسرعة قصوي لان وضع البلاد لم يعد يحتمل.