في صيف 2015 عُنّفت مواطنة تونسية من قبل رجل أمن واُخرجت عنوة من مقهى عمومي بسبب احتسائها فنجان قهوة في شهر رمضان.
في خريف العام ذاته سُجن مواطن تونسي وأُجري له فحص طبي للتأكد من ميوله الجنسية.
بين الفم والشرج، بين مداخل ومخارج جسد انسان، سقطت تونس في نقاش عدمي عقيم حول الحقوق والحريات.
انتصب زبانية دينية وثقافية وحراس تقاليد رجم الشيطان بالحجارة وأسطورة عرش الرحمان المهتز يصطادون ويحاكمون في من له أحقية التصرف في مداخل ومخارج الانسان.هزلت.
انه بؤس الفكر الديني على رأي صادق جلال العظم. انها نتيجة طبيعية لثقافة القرون الوسطى التي خضعت لها الدولة والمجتمع بامتياز.
من المهم وحتى نكون منصفين وضع هذا الجدل القروسطي في اطاره الحقيقي، السياسي والاجتماعي .
من المهم التذكير أن التونسيين والتونسيات يحيون هذه الأيام (شهر أكتوبر) ذكرى ثان انتخابات ديمقراطية حرة في بلادهم. انتخابات فاز فيها حزب نداء تونس الذي يقول انه حزب حداثي بقيادة زعيمه الباجي قايد السبسي.
في هذا السياق من الجدير بالندائيين والندائيات خاصة والتونسيين والتونسيات عامة أن يسألوا ويحاسبوا أنفسهم: ما هي حصيلة هذا الحزب من أجل تحقيق شعاره الذي رفعه في أن "تحيا تونس" بما يعنيه ذلك من الوعود التي أطلقها من أجل انقاذ البلاد من قوى الردة والظلام التي بدأت تتسرب الى البلاد انذاك.
لن نتردد لحظة في القول ان السنة التي مرت على تونس لم تكن الا سنة استدامة الظلام.
لم تكن كل العمليات الارهابية بما فيها عملية متحف باردو الارهابية (18 مارس) أوعملية سوسة (26 جوان) على فضاعتهما أدلة فعلية على تقصير الدولة واستدامة الظلام والارهاب.
لم تكن هذه العمليات الا قمة جبل الجليد الظاهر.
الأخطر من العمليات الارهابية هو أن تصمت الحكومة ومن ورائها مؤسسات الدولة على كل الممارسات والانتهاكات المكرسة لمجتمع الظلام والارهاب.
الأخطر هو ان تكون لنا حكومة تعتقد أن أحد أبواب التوافقات ـ التلفيقات هو اتاحة الفرصة ومنح التأشيرة للتعبيرات المتطرفة للعمل والنشاط.
لنا اليوم أكثر من خمسة أحزاب على الاقل لا تؤمن بقوانين الجمهورية ومدنية الدولة وتؤمن أن تطبيق الشريعة الاسلامية في بلادنا هي مسألة وقت لا أكثر.
نعم لنا حكومة تأتمر بأوامر حزب يقول انه حداثي ولكنها تمدد أجال الظلام والارهاب.
حكومة غير قادرة على عزل متطرف ومحرض يتحكم في أحد مساجد مدينة صفاقس وتريد تنظيم مؤتمر دولي لمقاومة الارهاب. هزلت.
حتى لا نعطي قيصر ما لقيصر فاننا نعتقد أن شخص مثل السيد الحبيب الصيد، ليس الا منفذا لاوامر حاكم قرطاج ومن ورائه من قادة حزب النداء.
لهذا السبب بالذات يجب ان نقر اليوم ان ما يقوم به حزب نداء تونس كفاعل أصلي ـ حسب المصطلح القانوني ـ و بشركائه منذ عام لا يصب الا في انتاج وادامة ثقافة الظلام.
أصل الشر بعنوان فيلم هنيبال لنكتر، حدث بعد الانتخابات الاخيرة، عندما قرر قادة نداء نونس والاطراف المتحالفة معهم، الاتفاق على تطبيق مقولة "المحافظة على الوضع الراهن" (statu quo) وهي وضعية تجسم المقولة التونسية الدارجة "لا تؤذيني ولا أوذيك".
وضعية بنيت عليها التوافقات ـ التلفيقات الحاصلة ومنعت أي تغييرات حقيقة في النمط التقليدي للمجتمع. المحصلة أن لنا اليوم مجتمع هجين انفصامي يحوي جميع التناقضات الممكنة.
من نافلة القول انه لا يمكن تغيير نمط أي مجتمع في ظرف عام ولا حتى عشرية كاملة، غير أننا لا نرى أي بوادر من أجل مشاريع ثقافية وسياسية حقيقية من أجل تركيز مجتمع يؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية والحريات الخاصة والعامة. بل نحن نعاين تمدد عقلية الردة وهجمة غير مقنعة على الحريات العامة والخاصة.
حتى نكون أكثر وضوحا نقول ان نداء تونس لم يكن ـ حتى الان على الاقل ـ الا الواجهة من استعملت من أجل تلطيف أجواء الظلام الدامس الذي يحيط بنا.
لقد كان فعلا نداءا من أجل إدامة الظلام.
سياسة نداء تونس وتحالفاته وصمته المريب من الهجمة الممنهجة على الحريات العامة والخاصة تقول لنا: لا تخافوا من المشروع الظلامي انه ليس بالسوء الذي تظنون ، سنقدمه لكم بلا لحية ولا جلباب ولا نقاب. انه مشروع حداثي يتحكم في مخارج المواطنين ومداخلهم. هزلت.
من المهم تذكير التونسيين أن جبهة الانقاذ التي كان نداء تونس أحد أبرز مكوناتها بنت رصيدها وشرعيتها على الأرواح التي ازهقت: دماء شكري بالعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض واخرين من جنود الوطن وحرسه وشرطته الذين سقطوا شهداء الارهاب.
من المفيد التذكير ان كل هؤلاء الشهداء سقطوا بسبب تصديهم لانتهاك الحريات العامة والخاصة زمن حكم الترويكا والعصابات المتطرفة التي كانت تسندها في الشارع والمواقع الاجتماعية.
بنى النداء شرعيته على شعارات احياءالمشروع البروقيبي التنويري والدفاع عن النموذج المجتمعي التونسي. ومن المفيد الهمس للكثير من قادته اليوم أن بورقيبة كان أكثر شجاعة وجرأة وأقل مداهنة لقوى الردة الدينية والثقافية والاجتماعية!
من المهم القول لهم انهم بصدد خيانة الميراث البورقيبي.
صحيح أن الرباعي الذي يقوده النداء وجد البلاد على حافة الافلاس اقتصاديا. صحيح أن النداء وجد البلاد خارجة لتوها من أزمة اجتماعية قوامها بطالة واضرابات واحتجاجات لم تنتهي حتى اليوم.
صحيح أن النداء وجد تركة دينية ثقيلة عنوانها مساجد ملغومة بالمتطرفين واداريا أجهزة موازية ومخترقة وموالية وتعيينات لم يقع مراجعتها حتى الساعة.
غير أن كل هذا، نعم كل ما سبق، لا يعفي النداء من حجم المسؤولية في ملف اساسي بني عليه شرعيته الانتخابية في أن يكون والاطراف الديمقراطية التي تسنده المدافع الاساسي عن الحقوق والحريات.
اليوم نجد في البرلمان لجان مكبلة وعاجزة بالتوافقات ـ التلفيقات المعروفة عن مراجعة قانونية قروسطية من قبيل مجلة جزائية كتبت نصوصها الاولى سنة 1913.
لن تعوزنا الامثلة عن القوانين القروسطية التي تحويها هذه المجلة. من المغتصبة التي تجبر على الزواج بمغتصبها بمقتضى قانون رقم 227 مرورا بقانون العار رقم 230 ونهاية بالاحكام المتعلقة بالحريات الخاصة والعامة تحت شماعة "المحافظة على الاخلاق الحميدة".
تونس اليوم، تحت حكم الرباعي الذي يقود الحكومة والبلاد بقيادة نداء تونس محتاجة لتحديد البوصلة والأولويات.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى يشعر العديد من التونسيين أن بوصلة المشروع المجتمعي ضائعة تماما وأن ما يجري من اعتداء على الحريات لا يؤدي الا استدامة الظلام.
هناك مسؤولية تاريخية يتحملها من يعتلي كرسي الحكم في قرطاج وممثليه في القصبة وفي بقية الوزارات.
يجب أن يفهم هؤلاء، أن المناصب التي نالوها والتي تقاسموها لا يجب ان تكون لمجرد قضاء بقية عمر مريحة بمنحة تقاعد مجزية. يجب عليهم أن يفهموا أنهم بتواطئهم مع ثقافة الردة وصمتهم على انتهاك الحريات، بصدد اضاعة مستقبل أجيال تونسية بأكملها وتأبيد مرورنا بأنفاق الظلام.
ملاحظة : ينشر هذا المقال بالتزامن في المواقع التالية: الشارع المغاربي، حقائق أون لاين، الجريدة، أرابيسك