أعادت زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس الباجي قائد السبسي، يومي 22 و 23 ديسمبر الجاري، الى المملكة العربية السعودية، بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز، تونس الى محيطها العربي الاسلامي، كما صالحت دبلوماسيتها مع ثوابتها، دون أن نغفل تأكيد هذه الزيارة – من الرياض بالذات - على خصوصية التجربة التحديثية والسياسية التونسية، التي هي غير قابلة للتصدير أو للتعديل.
في كلمات الرئيس السبسي أثناء لقاءاته مع المسؤولين السعوديين، لمسنا حرص على ابراز الثوابت، التي قامت عليها السياسة الخارجية التونسية، التي تقوم على ثنائية مهمة، تتمثل الأولي في ضمان مصلحة تونس، وتتصل الثانية بالتأكيد المستمر على خصوصية التجربة التونسية، سواء خلال فترة بناء الدولة الحديثة بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة، أو بعد الثورة من خلال إصرار نخبها – برغم الصعوبات – على إنجاح الربيع العربي التونسي، وهو ما أكد عليه الرئيس السبسي من الرياض، عندما أشار إلى أنه "يأمل أن تكون تونس الدولة الأولى التي تعرف ربيع عربي حقيقي".
وهو هنا يتحدث عن فرص جدية من مسار الواقع الجاري "الان وهنا" في تونس، والسعي الواقعي نحو التجربة الحالية الى "أنموذج" عربي ديمقراطي، مثلما كانت لها –أي تونس – السبق تاريخيا في تدشين تجربة تحديثية متميزة، في عالم عربي شديد التنوع حد التناقض. وللتأكيد على هذه الخصوصة التونسية الممتدة، قال الرئيس السبسي "ان المسئولين في السعودية متفهمين للوضع التونسي"، في اشارة الى أن الشأن التونسي وتفاصيله، هو شأن تونسي بامتياز، لا يمكن المساومة عليه تحت أي طائل أو ظرف كان، في رسالة واضحة على استقلالية القرار وبالتالي استقلالية الخيارات والتوجهات، التي لابد أن تكون نتيجة تقاعل حراك داخلي، لا املاءات خارجية.
الإطلالة العربية الأولي للرئيس الباجي قائد السبسي، كانت متمثلة لكل الرصيد التاريخي والتحديثي البورقيبي، يضاف اليه "حلم" مشروع وواقعي، في طور الانجازوالتشكل، حلم ببناء دولة ديمقراطية. كل هذه العوامل يضاف اليها شخصية الرجل – الباجي قائد السبسي - مثلت رأسمال رمزي مهم ومبعث فخر، حاول الرئيس التونسي توظيفه لصالح تونس، وهو في ذلك يستند لتجربته الدبلوماسية العميقة، والعارفة بخبايا الشأن العربي، التي خولت له فهم هذا الواقع العربي بتعقيداته. خصوصا تأمين موقع لتونس فيه، تونس هذا البلد الصغير جغرافيا وكذلك الشحيح من حيث الموارد، والذي يحرص على تأمين انجاح تجربته التحديثية والديمقراطية، دون تصادم مع هذا العمق العربي. وهو ما برز في خطاب الرجل في الرياض بالذات، التي تعد أهم عاصمة في العالم العربي، سواء من حيث وزنها الثقافي والديني، أو من حيث قوتها الاستراتيجية، التي تجعلها تخطط لزعامة العالم العربي والاسلام السني.
هذا الطموح السعودي، يتفهمه جيدا الرئيس السبسي، ولا يعارضه خصوصا وأنه في تناغم مع مصالح وسياسات تونس، خصوصا في علاقة بالحرب على الارهاب، أو في بناء تحالفات في عالم رماله متحركة بسرعة، وهو ما أشار اليه قائد السبسي. عندما أكد على أن "المملكة لها دور كبير في ارجاع العرب الى دورهم الفعال في هذه التوازنات الجديدة الجارية". وقد عبر الرئيس الباجي قائد السبسي ، في هذا الاطار عن مساندة تونس ودعمها الكامل للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، مؤكدا أن مبادرة المملكة بالإعلان عن هذا التحالف لا تكتسب أهميتها من كونها مبادرة عسكرية بالأساس، بل لأنها مبادرة شاملة تصيب الهدف في الصميم، وتعالج مسألة الإرهاب من كل النواحي: الدينية، السياسية، الثقافية، والعسكرية.
وقال في تصريح لوكالة الأنباء السعودية بمناسبة زيارته للمملكة: «إن الإعلان عن إنشاء هذا التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، جاءت في وقتها المناسب، لتسحب البساط من الذين يحاولون تشويه الإسلام، ويتهمون الدول العربية والإسلامية بالتقاعس عن مكافحة الإرهاب، كما أنها مبادرة من شأنها لجم المتهجمين على الإسلام، والمتطاولين عليه ومتهميه، وأن للمملكة الثقل العالمي اللازم لنجاح هذا التحالف، وستنجح».
وأكد الرئيس التونسي أن بلاده من أولى الدول التي باركت التحالف الإسلامي، لافتاً إلى أن تونس معنية بمقاومة الإرهاب وهي في جبهة متقدمة في محاربته منذ سنوات.
الحضور السياسي الكبير، للرئيس قائد السبسي، الذي كان طاغيا في زيارة الرياض، جعل الزيارة محور اشادة من الاعلام العربي والسعودي، كما جعلت الرئيس يوظفها لخدمة تونس ولجلب المنافع لشعبها، وهو جوهر الممارسة الدبلوماسية. اذ حرص على تفعيل الجانب الاقتصادي، على قاعدة تبادل المصالح بين البلدين، ومن موقع الاستفادة المشتركة والمتبادلة. فالسبسي يدرك جيدا أن العلاقات بين الدول تقوم على المصلحة، لا على أساس العمل الخيري أو الهبات والصدقات. وهو ما جعله يحرص على تنظيم لقاءات مباشرة مع الفاعلين في عالم المال والأعمال. من أجل شرح فرص الاستثمار التي توفرها تونس. وهو هنا أكد على استعداد تونس لتوفير المناخ الملائم وتذليل الصعوبات أمام المستثمرين ورجال الاعمال السعوديين. وأوضح الرئيس السبسي أن الحكومة التونسية خطت خطوة هامة في مجال دعم الاستثمار خاصة عبر سن قانون شراكة بين القطاعين العام والخاص.
بين السبسي في لقاء جمعه برجال أعمال سعوديين في مجلس الغرف السعودية أنه في انتظار المصادقة على مشروع مجلة الاستثمار تبقى تونس مستعدة لاستقبال المستثمرين السعوديين خاصة والعرب عامة. وأبرز بالمناسبة ما تتميز به تونس من مكامن هامة للاستثمار علاوة على الموارد البشرية الكفأة ملاحظا أن الاستقرار بدأ يعود الى مختلف مناطق البلاد. وشدد السبسي على استعداده الشخصي للمساهمة في تذليل الصعوبات التي تواجه المستثمرين السعوديين فى تونس مؤكدا توق تونس للخروج من وضعية الركود الاقتصادي عبر التعاون الاقليمي واتاحة الفرص للشراكات في مختلف المجالات الواعدة
من جهته، أعلن رئيس مجلس الغرف السعودية عبد الرحمان بن عبد الله الزامل، أن تونس "سيكون لها النصيب الأوفر من الخطط الاستثمارية السعودية المستقبلية.". . وأوضح الزامل، خلال لقاء مع الرئيس الباجي قايد السبسي، أن حجم هذه الخطط الاستثمارية يقارب 300 مليار دولار ستطال مشاريع في قطاعات الصحة والبنية التحتية والتعليم والصناعة". .وعبر عن استعداد رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين في تعميق العلاقات مع نظرائهم التونسيين لبعث مشاريع مجدية خاصة مع ما تتميز به تونس من موقع جغرافي يسمح لها بأن تكون نقطة تواصل خاصة مع الإتحاد الأوروبي.
منذر بالضيافي
المصدر : جريدة الصريح