كتب: منذر بالضيافي
كذب مكتب راشد الغنوشي الخبر الذي تداولته مواقع أنترنات وبعض وسائل الاعلام، الذي "مفاده ان الشيخ راشد الغنوشي قد وجه رسالة انتقاد لاذع لحركة الاخوان المسلمين في مصر".
وكان الشيخ الغنوشي قد أعلن في وقت سابق، خلال لقاء مع قناة نسمة، أيام قليلة بعد تصنيف السعودية للإخوان "جماعة إرهابية". أن "النهضة حزب تونسي يعمل ضمن قانون الأحزاب في تونس ويعمل وفق ما تمليه عليه مؤسساته ولا يتبع أحدا خارج البلاد". وأضاف " نحن نرتبط بالمسلمين في كل العالم برابطة الأخوة الإسلامية والفكر ولا يوجد لدينا (بابا) مثل النصارى. أنا رئيس النهضة المنتخَب ولستُ رئيس أي حزب أو تنظيم خارج بلادي، والإخوان في مصر لهم حزبهم وتنظيمهم المستقل عنا". ما مدى مصداقية مثل هذا التصريح الذي يعلن صراحة عن "فك الارتباط" بين النهضة والإخوان؟ هل هي مجرد مناورة سياسية؟ أم تعبير عن خيار استراتيجي ومبدئي سيحدد مستقبل العلاقة بين الطرفين؟
الخوف من اعادة السيناريو
تأتي تصريحات الغنوشي، وسط تصاعد جدل داخل المشهد السياسي التونسي، وتساؤلات حول امكانية وجود علاقة تنظيمية تربط "النهضة" بجماعة "الإخوان" سواء في مصر أو "بالتنظيم الدولى". هذه الجماعة التي تعرف تتبعات أمنية واتهام بكونها "جماعة إرهابية" ما جعلها محل محاصرة سياسية، داخل مصر – حيث نشأت في عشرينات القرن الماضي - . اضافة الى كونها أنها أصبحت محل ملاحقة من قبل دول عربية وأوروبية – بريطانيا-، بعد إعلان السعودية والإمارات تصنيفها هي والجماعات المرتبطة بها كتنظيمات إرهابية.
القرار الخليجي، رمي بضلاله داخل الفاعلين في الحقل السياسي التونسي، نخب وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني. التي ما تزال تنظر بعين الريبة إلى إخوان تونس – نعنى هنا حركة النهضة -، عبر علاقة ما زالت تخيم عليها أجواء "أزمة الثقة"، برغم كل "التنازلات" التي قدمتها النهضة، ولعل أبرزها قرار الخروج من الحكم بصفة طوعية، والقبول بحكومة "مستقلة" كمخرج للأزمة السياسية، التي فجرها اغتيال قادة أحزاب، وشيوع عنف الجماعات السلفية المتشددة، وسط تسامح وصل درجة التواطؤ خلال فترة حكم النهضة الإسلامية.
مثلما كان لوقع "صدمة" إسقاط حكم الإخوان في مصر مفعول الزلزال على النهضة الإسلامية في تونس. من خلال قبولها المشاركة في حوار وطني تنص بنوده على ضرورة مغادرتها للسلطة، وهو ما حصل بالفعل. بعدما أدرك زعيم النهضة أن الدور القادم سيكون عليهم، ما جعله يسرع بإقناع إخوانه بضرورة عدم التمسك "بالشرعية الانتخابية"، من أجل تجنب إعادة "السيناريو المصري"، وقبل أن "يسقط المعبد على رؤوسهم" مثلما ورد في تصريح شهير للغنوشي موجه لأبناء النهضة الرافضين للتنازل والتسوية السياسية.
وهو سيناريو مكن النهضة من خروج امن من الحكم، مع المحافظة على "موقع رئيسي" في المشهد السياسي وفي الخارطة الحزبية التونسية. ذات الموقف البراغماتي تسلح به الغنوشي مرة أخرى، لتجاوز تداعيات القرار الخليجي والمتمثل في اعتبار "الإخوان" و"مشتقاتها" في كل الأقطار العربية والإسلامية تنظيمات إرهابية. من خلال "تبرأه" من الإخوان، وتأكيد أن النهضة حزب تونسي، يخضع للقانون التونسي، ولا تربطه أية علاقة بالإخوان التي قال أنها "تنظيم مصري". برغم وجود شواهد دامغة على صلة وثقى كانت وما تزال تربط الغنوشي بمكتب الإرشاد، وبالتنظيم الدولي للاخوان وواجهته الدعوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة المرشد الروحي للاخوان الشيخ يوسف القرضاوي . فما هي طبيعة هذه الروابط التاريخية؟ وهل انفكت أم أنها مجرد "مناورة" أو "تقية" من قبل الغنوشي لتجاوز العاصفة؟
روابط عقدبة وتنظيمية معقدة
في الواقع، وبالعودة إلى مسار نشأة وتطور الحركة الإسلامية في تونس، فان كل الشواهد تؤكد بصفة قطعية وجود رابطة عضوية بين "الجماعة الإسلامية في تونس" – الاسم الذي كانت تطلقه الجماعة على نفسها حتى بداية ثمانينات القرن الماضي - و جماعة "الإخوان" في مصر، وبالتنظيم الدولي للإخوان عند نشأته. لكن الملاحظ أن هذه الرابطة بدأت تعرف برودا أو تفككا، على المستويين التنظيمي والحركي. نتيجة تباعد في التفاعل مع الواقع ومع المتغيرات الفكرية والاستراتيجية. برز من خلال وجود حالة جمود لدي التيار الاخواني التقليدي ممثلا في تيار "الدولة/ المركز" – مصر -، مقابل حيوية أو ديناميكية لدي تيار "دول/الأطراف" مثل تونس خاصة، التي تزعم رئيس حركتها راشد الغنوشي خطا تجديديا في المستوي الفكري تمت ترجمته من خلال رؤية سياسية براغماتية، مستفيدا من سنوات اقامته الطويلة في الغرب/ لندن، وبعد اجراء قراءة نقدية لتجربة العمل الاسلامي في تونس.
برز هذا التباين داخل الساحة الاخوانية، من خلال طريقة التعامل مع الأوضاع المستجدة بعد ثورات "الربيع العربي" التي أوصلت التيار الاسلامي للحكم في كل من مصر وتونس. ففي الوقت الذي اختار فيه "المرشد" في مصر خيار المواجهة مع المجتمع والدولة، وبالتالي الانتحار السياسي والرفض المجتمعي. فضل راشد الغنوشي في تونس "الشرعية التوافقية" على "الشرعية الانتخابية"، فكان أن غادر الاسلاميون الحكومة لكن حافظوا على المشاركة في الحكم. ما سيسهل في المستقبل عملية ادماج التيار الاسلامي المعتدل في الحياة السياسية، بعيد أن يكون قد تخلص من عقلية الهيمنة السياسية التي تسكنه، من خلال مقولة "التمكين" للمشروع الاسلامي، أو عبر السعي لفرض نمط مجتمعي بديل، مرفوض من قبل نخب المجتمع ومن قبل الطبقة الوسطى التي هي أساس وحدة وتماسك المجتمع والدولة.
بين "المناورة" و"المبدئية"
ان مواقف راشد الغنوشي، التي جنبت تونس الدخول في مواجهة بين الاسلاميين والعلمانيين، وبين الاسلاميين والدولة، والتي كانت محل ترحاب وتم الترويج لها على أنها "أنموذج" لاسلام معتدل، لا تعدوا في الواقع الا مجرد "تكتيكات" أو "براغماتية" سياسية، لأنها قامت على اكراهات سياسية أكثر من أنها مبنية على جهد فكري وتنظيري. ما يشير الى أنها لا تتجاوز حدود "المناورة السياسية". فالاسلاميون – بما في ذلك زعيم النهضة راشد الغنوشي- ما زالوا بعيدين عن تقديم قراءة واقعية لموقع الدين في المجتمع والدولة. بل أنهم كلهم يتبنون المقولة المركزية: "الاسلام هو الحل"، وأن "الاسلام دين ودولة". وهذا ما ذهبت اليه جل البحوث التي اهتمت بدراسة حركات الاسلام السياسي على تباينها، وتحديدا حركة "الاخوان المسلمين" التي تمثل التيار الرئيسي، لما يعرف بظاهرة الاسلام السياسي.
وهذا ما يجعل من المراهنة على وجود انقسامات وتباينات داخل الاخوان والجماعات التي تأثرت بها وبنهجها وبأدبياتها مجرد سراب و"حرث في أرض بور" كما يقال، نظرا لوجود روابط عقدية عميقة تتجاوز رابطة التنظيم. من هنا فان تصريحات الغنوشي توضع في خانة ما يسمى بتقاسم للأدوار والمواقف بغاية الوصول الى "التمكين" – قيام الدولة الاسلامية الجامعة - . هذا هو حال الموقف النقدي للغنوشي من "اخوان مصر"، الذي اتخذه تحت اكراهات الواقع والضغوطات التي مارستها دول الخليج على هذه الجماعة، خاصة ما يتعلق بتورطها في الارهاب. الأمر الذي فتح عليها أبواب جهنم ، لا في الدول العربية فقط بل حتى في العواصم الغربية التي كانت الى وقت قريب قد مثلت ملاذا أمنا لقيادات الجماعة.
وفي هذا السياق أمر رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون بإجراء تحقيق حول جماعة الإخوان المسلمين بسبب قلق حيال أنشطة هذه الجماعة في البلاد بعد تصنيفها في مصر مؤخرا كجماعة إرهابية. وقال المتحدث باسم الحكومة إن كاميرون أمر بإجراء تقييم داخلي تقوم به الحكومة حول فلسفة الإخوان المسلمين وأنشطتهم، وحول سياسة الحكومة إزاء هذه المنظمة. وأضاف المتحدث أنه "بالنظر إلى القلق المعلن بشأن الجماعة وعلاقاتها المفترضة بالتطرف والعنف، رأينا أنه من الشرعي والحكيم أن نفهم بشكل أفضل ما يمثله الإخوان المسلمون وكيف ينوون تحقيق أهدافهم وانعكاسات ذلك على بريطانيا".
بما يشير صراحة الى وجود قرار دولى ضد جماعة "الاخوان المسلمين" ونعنى هنا في المقام الأول "الجماعة الأم" في مصر. والذي لا يستبعد أن يطال لاحقا كل التنظيمات القريبة منها أو المتأثرة بها. وهذا ما حاول راشد الغنوشي زعيم "النهضة الاسلامية" في تونس استباقه، من خلال نفي وجود أية علاقة لحزبه بالاخوان، والتأكيد على أنهم حزب تونسي يخضع للقوانين الجاري بها العمل في تونس، تحديدا قانون الأحزاب. في رسالة طمأنة للداخل والخارج على حد السواء.
مهنياً: يتحدث هذا اليوم عن أوضاع مهنية متينة وممتازة، وما بدأت به قابل للاستمرار والتطوّر إذا واظبت عليه بجدك ونشاطك المعهودين
عاطفياً: غيمة سوداء قد تؤثر في علاقتك بالحبيب لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها وأفضل مما كانت سابقاً
صحياً: إذا رغبت في تحسين وضعك الصحي، عليك أن تبذل جهداً أكبر في المستقبل القريب لتقطف ثمار ذلك لاحقاً